بنفسج

محطات نحو المسجد الأقصى

الإثنين 26 سبتمبر

كُل منا لديه محطات شكلت نقاطًا فاصلةً في حياته ووعيه وإدراكه، خصوصًا إن تحدثنا عن قضية المسجد الأقصى، إذ تتفاوت في المواقف والمراحل التي وصلنا إليه في خدمته والذود عنه، والتي أعتبر أقصاها دور أمهاتنا المرابطات في ساحات المسجد الأقصى وحوله، وفي السجون، وفي كل المنصات الأخرى. لكن ماذا عنّا نحن كيف تبدأ، وكيف نرتقي على قدر استطاعتنا، ومن أماكننا في المجتمع؟ وفي هذا صاحبتني عدّة محطات أحسب أن كثيرًا منا يعيش إحداها خصوصًا فئة الشباب الجامعي.

كنتُ كأيّ فتاةٍ جامعية عادية آنذاك، تقهرني مشاهد اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، كنتُ فقط أبكي قهرًا وأدعو. وكنتُ بين الحينِ والآخر، أكتب بعض الخواطر التي أبث فيها حبي للمسجد الأقصى، حتى ساقني القدرُ يومًا لحضور ندوة عن المسجد الأقصى، كانت أحد ضيوفها المرابطة خديجة خويص، كانت ندوة ذات نقطة فاصلة في حياتي، أذكر يومها أن عيني دمعت واجتاحتني مشاعر غريبة كان لها وقعٌ على قلبي، اجتاحتني الهمة والحماسة، ونبت بداخلي حبٌّ لم أعرفه من قبل تجاه المسجد الأقصى.

هناك تلقيتُ صفعة وعيٍ مؤلمة حين فوجئت أنني لا أعلم إلا القليل القليل عن المسجد الأقصى، وأنا التي كنتُ أتغنى بحبي له، فوجئت أنني لم أكن أعلم أن الأقصى هو كل ما دار عليه السور، وهي المساحة البالغة 144 دونمًا بالإضافة للكثير الكثير من المعلومات التي بدت جديدة علي.

حينما يريد الله أن يقيمنا في شيء، يسيّر لنا الأقدار بلطفه الخفي دون أن نعلم. ساقتني الأقدار هذه المرة نحو معرض إبداعي تعرفي بالمسجد الأقصى المبارك، دخلت على قيد الشغف دون أن أعلم ما ينتظرني. فتاةٌ تقف أمام خارطةٍ للمسجد الأقصى ذاتُ محيًّا مبتسم، أسلوبها مليء بالحماسة، اقتادني نحوها دون وعي، كانت تشرح عن معالم المسجد الأقصى وتسأل من أمامها بعض أسئلة.

هناك تلقيتُ صفعة وعيٍ مؤلمة حين فوجئت أنني لا أعلم إلا القليل القليل عن المسجد الأقصى، وأنا التي كنتُ أتغنى بحبي له، فوجئت أنني لم أكن أعلم أن الأقصى هو كل ما دار عليه السور، وهي المساحة البالغة 144 دونمًا بالإضافة للكثير الكثير من المعلومات التي بدت جديدة علي. أذكر يومها أنني رابطتُ أمام تلك الزاوية ما يزيد عن الثلاث ساعات، حتى حفظت أغلب ما على الخارطة بكل معلوماتها التي كانت تشرحها الفتاة.

كانت جمعيةً طلابية تعنى بتثقيف الطلبة وزيادة وعيهم بقضية المسجد الأقصى، كانت أفُقًا فتحه الله لي يومها، ولم أخرج حتى عاهدتُ نفسي أن أكون مكانَ تلك الفتاةِ في العام القادم. سألتُ وسعيتُ حتى انضممت إلى تلك الجمعية الطلابية، وأجريتُ امتحان قبولٍ يضمن أنني أعلم الحد الأدنى من المعلومات على الأقل حول المسجد الأقصى، نجحتُ فيه بجدارة، وابتدأت رحلتي في حب الأقصى بعدها.

مرَّ ذاك العام سريعًا، وكنتُ مكان تلك الفتاة أشرح للطلاب الكثير مما قد يجهلونه عن المسجد الأقصى، ومضت الأيام بي وبرفاقي المقدسيين، ونحن نزداد حبًا بالمسجد الأقصى، ويزداد هو بنا حبًا، وأصبحنا نعلم جيدًا أنه "أن تكون مقدسيًّا لا يعني أن تسكن القدس فقط، بل أن تسكن القدسُ فيك"، وبذا أصبحنا جميعًا مقدسيين.

كم قرأتُ كثيرًا عن علوم المسجد الأقصى، ومعالمه، وتاريخه، وكم سمعتُ من محاضرات وندوات، وكم التقيت بالمرابطات. كان كلُّ شيءٍ يدفعني لأحب المسجد الأقصى أكثر لأنني عرفته أكثر، صار يشكل جزءًا مهما من وقت يومي آنذاك. أصبحتُ أعلم حينها أن ما لا نفهمه لا نملكه، لذا، سيكون لزامًا علينا أن نُعِدَّ أنفسنا جيدًا كي نليق بمهمة التحرير.

وفعلًا، مرَّ ذاك العام سريعًا، وكنتُ مكان تلك الفتاة أشرح للطلاب الكثير مما قد يجهلونه عن المسجد الأقصى، ومضت الأيام بي وبرفاقي المقدسيين، ونحن نزداد حبًا بالمسجد الأقصى، ويزداد هو بنا حبًا، وأصبحنا نعلم جيدًا أنه "أن تكون مقدسيًّا لا يعني أن تسكن القدس فقط، بل أن تسكن القدسُ فيك"، وبذا أصبحنا جميعًا مقدسيين.

لم تعد تلك الجمعيةُ موجودة لأسبابٍ خرجت عن إرادتنا، لكننا بقينا كما نحن، وازددنا حبًا ومعرفةً وعلمًا بأقصانا. أصبحت تجمعنا علاقةٌ مميزة بالمرابطات وأساتذة علوم بيت المقدس، أصبحت المرابطات أمهاتنا وأساتذة علوم بيت المقدس أباءنا والأقصى وطنًا تشد قلوبنا الرحال إليه في كل حين. وكان يكفينا أننا سلكنا رحلة حبّ لن تنتهي وأصبحنا فيها مقدسيي الهوى والروح.

كيف لا وهنّ أول من زرعن فينا حب الأقصى وأوقدن جذوة حبه في قلوبنا، كيف لا، وهن اللواتي كلما غفلنا أو غفونا صرخن بنا أن أنقذوا مسراكم، وأنكم ستسألون، كيف لا وهنّ صمّام الأمان ودرع الأقصى. ودائمًا ما تتلقى الدروع الضربات عوضًا، فعذرًا منكن أمهاتنا.

كلُّ ما سبق من محطات بدأت فيها بنفسي وانتهيتُ فيها مع رفاقي يمكن أن تمثل أي شخصٍ فينا. أن تبدأ من نفسك وتعمل عليها وتجتهد في تفقيهها بحب المسجد الأقصى وعلومه، هو طريق ستجد نفسك فيه ضمن لوحةٍ عظيمةٍ اجتمعت وشكلت فسيفساء مقدسية تعبق بالتضحيات. ولعلها أحد أهم الخطوات المؤدية للتحرير أن نفهم كي نملك بحق.

معركة بيت المقدس معركةٌ عظيمة لا أستطيع أن لا أمر فيها عن دور النساء المقدسيات في نصرة المسجد الأقصى، إذ أصبح ذاك الميدان ميدانهن ومعركتهن، خصوصًا في السنواتِ الأخيرة، رغم ما يتعرضن له من أذى واعتقال وتوقيف وتنكيل إلا أنهن تميزن بلا منازع، كيف لا وهنّ أول من زرعن فينا حب الأقصى وأوقدن جذوة حبه في قلوبنا، كيف لا، وهن اللواتي كلما غفلنا أو غفونا صرخن بنا أن أنقذوا مسراكم، وأنكم ستسألون، كيف لا وهنّ صمّام الأمان ودرع الأقصى. ودائمًا ما تتلقى الدروع الضربات عوضًا، فعذرًا منكن أمهاتنا.

وتجدر الإشارةُ هنا أن مشاركتنا في الحملة الأخيرة (كلنا مريم) التي انطلقت دعمًا للمرأة المقدسية، هو أقل القليل تجاه الصابرات المضحيات، ونسأل الله أن يمن علينا بنصرٍ قريب ويجمعنا في ساحات الأقصى محررين.