بنفسج

إنسان بين الأضداد: من الظلام تشرق الشمس

الجمعة 31 يوليو

"الصبر مُر، ولكنّ ثماره حلوة"، هذكا يقول جان جاك روسو. رُبما لوهلةٍ نشعرُ بعد نضجٍ في عقولنا وثباتٍ في قلوبنا، واتزان في أرواحنا أنّ الحياة دائمًا تجمعُ بين الأضداد، حينما كُنا صغارًا لم نكن نعيّ معنى الفرح من الحزن، الشرود من الهذيان، الحُب من الكره، العلم من الجهل، النور من الظلام، اليأس من الأمل، الوجع من الشفاء، الوفاء من الغدر، الكذب من الصدق، والكثير من الأضداد التي رُبما بعضها استوطن في قلوبنا.

ولم نع ما تغيرنا إليه وما استقر بنّا، غير أننا نكبرُ مع الأيام، ونتغيرُ مع الظروف، فتارة نشعرُ أنّنا أصغرُ من أن نحملُ همّ غدٍ مُثقلٍ بالأحلام التي لا ندري أين سيستقر مقامها في حياتنا، وتارةً نشعرُ أنّنا قد تحررنا من الطفلِ الذي بداخلنا، أو لنقل أن الحياة قد أجبرتنا على نزعه رغمَ أننا نحبه ونستأنس به، لكنّ شيئًا بداخلنا يهمس لنا أنّ الحياة لا تحتاجُ لروحِ طفل، حزنه وفرحه يسيران مع الحياة، هي تحتاجُ قلبَ مجاهدٍ، وعقلُ مفكرٍ وروحُ مدبرٍ كي نستطيعَ أن نصل لأحلامنا دون تأرجح عند أولِ منعطف متعرج، بعيدًا عن دمعةٍ قريبةْ أو استسلامٍ آتٍ.

وكأنَّ خفقةً واحدة ستهدم ما مضى، وما هو حاضر، وما سيأتي، فتخرُّ النفس واهنة مستسلمة لسوءٍ ظرفٍ أو ثقلِ يومٍ، فتضيعُ معها آمال القلب وأحلام الروح ونجاحات العُمر، لأجلِ لحظةٍ يكون المرءُ قادرًا على تجاوزها، إن زرع في نفسه ثباتًا بأن كُل عقبة تُجتاز، وتُدفع بعزيمة وإرادة محارب أبى الرجوع لوطنه دون النصر.

والشخص الطموحُ المثابر الذي ينظرُ لغدٍ أفضل، ومستقبل واعد يتحررُ من كُل حاجزٍ يحولُ بينه وبين ما بناه من لحظةِ أن خطى أعتابِ النجاح خطوةً خطوة. فبعددِ النجاحات يتلقى المرء إخفاقات، وعند كُل محطةِ اجتياز لخفقةٍ ما يرتقي الإنسان بأُخرى، والفطن الذي لا يستقرُ في سويداءِ الفشل، ويتيه في اليأس والحزن والبُكاء، وكأنَّ خفقةً واحدة ستهدم ما مضى، وما هو حاضر، وما سيأتي، فتخرُّ النفس واهنة مستسلمة لسوءٍ ظرفٍ أو ثقلِ يومٍ، فتضيعُ معها آمال القلب وأحلام الروح ونجاحات العُمر، لأجلِ لحظةٍ يكون المرءُ قادرًا على تجاوزها، إن زرع في نفسه ثباتًا بأن كُل عقبة تُجتاز، وتُدفع بعزيمة وإرادة محارب أبى الرجوع لوطنه دون النصر.

ثُمّ إنّي مؤمنةٌ جدًا بعبارة ما بعد الفشل نجاح، وفي مقولة الأستاذ شادي عبد السلام في كتابه اقرئي يا بلادي: " كي تنجح، لا بدَّ أن تفشل أولًا كارتواء بعد عطش، وشبع بعد جوع، فلولا الجوع والعطش ما كان للشبعِ معنى أو للارتواء قيمة".  ثُمّ إن النجاح لا يتعلق بالكمية، بل بالاستمرارية، فالإنسان يبقى طالبًا للعلم ما دام كل يوم يتعلمُ حرفًا ويستزيد علمًا.

وإن كان على المرء أن يُثبتُ في ذاكرته شيئًا يجعله يرتقي، فعباراتِ التحفيز التي تزيدُ من إرادة المرء هي أول ما يجب أن يُوضع، ولك في هذه الكلمات كل الأثر، لا أعلم عن طرفي الحوار، لكنّي على يقين أنّه حوارُ عالم بطالب علمٍ.

لقد تكرر سقوطي ماذا أفعل؟ أعد النهوض. ولكن إلى متى؟  طالما أنت حي، فالوحيد الذي لا ينهض هو الميت. لكم أودعتْ في نفسي عزيمة لا تلين وإرادة لا تميل وثباتًا لا يتزعزع، فطالما أنّ الروح تنبض حياة، لمّ علينا أن نقتل أحلامنا بأنفسنا؟ وطالما أنّ المحاولة والتكرار يجدي نفعًا لمّ اليأس! وطالما أن الفشل يتعبه نجاح لمّ الحزن!

ولنا في العظماء والعلماء أصدق وأروع نموذج على التحديات، دون ذكرِ قائمة تضمُ أسماءً بشرية عالية المقام، يكفي أن أذكر اسم إمام المرسلين وسيد البشرية قدوتنا في هذه الحياة محمد "صلى الله عليه وسلم "وكم لاقى من عناءٍ لأجلِ أن ينتشر الإسلام في جميع أرجاءِ أمته. ثُمّ إنّ الحياة تحتاجُ لثبات وصبر ومرونة على الشدائد، فمع الثبات نحصد الاستقرار النفسي كي نصل، وبعد الصبر نحصد حلاوةً تنسينا مُره.

قال تعالى: " فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يُسرا".  ثُمّ إن الحياة تطلبُ مرونةً بقدر ما تحتاجُ لحزم بعض المواقف، فأنْ تكون مرنًا يعني أن لا تُحمِّل بعد الظروفِ شدّة لا تحتاجها، فبجانب الشدّة في بعض الأحيان تحتاج المرونة. ثُمّ إنه من الموت تنبثق الحياة ومن الأمس يولدُ الغد، ومن الظلام تُشرق الشمس.

فلا تيأس مهما عصفت بك الحياة، ولا تنسَ هذه الدار دار ابتلاءات ولا لّذة للراحة الكاملة إلّا في الجنّة، فالصبر والثبات والمضيّ دون استسلام، وجُب عليك أن تتكأ عليهم دائمًا، وأن تتعلم مهارة المواجهة دائمًا، وأن لا تركن إلا اليأس أبدًا، فكُل من عزم وسار وتوكل على الله، نجا ووصل، حتى وإن كانت كُل المعيقات تغلفُ روحك، فما دامَ نورُ الأمل في قلبك فلن تهزم أبدًا بإذن الله.