بنفسج

"محاسن الصدف" في فتح الأبواب المغلقة

الأحد 07 مارس

كيف يعرف الإنسان طريقه ويعود إليه في ظل الخوف الذي يحيطه؟ قبل سبعة أعوام كانت الحياة بالنسبة لمحاسن الخطيب عبارة عن ألوان تائهة، تدرس الأرقام والمعادلات في الرياضيات بناءً على رغبة العائلة، تحاول الوصول إلى رقمٍ ما يشدها نحو العالم دون أن تصير في النهاية معلمة رياضيات كما يفضل المجتمع.

كان وجه محاسن مليء بالشغف لشيء ما، شيء تجهله تمامًا، تجلس في المحاضرة غائبة عن العالم الذي يحيطها، تستمتع بالموسيقى التي يحدثها احتكاك القلم مع الورقة دون أن تعلم ما الرابط بينهما، تفكر كثيرًا كيف يمكن أن تغير حياتها دون أن يرفض المجتمع هذا التغيير، لكن الخيال والأحلام بعيدة عن الواقع.

بدأ تفكير محاسن يتجه إلى الرسم، كانت في السنة الأخيرة من الجامعة، لكنها لا تعرف كيف تركّب خطوطها، فقط تملك الشغف للألوان والرسومات التي تشاهدها على الجرائد، فضولها لمعرفة كيف يرسم الأشخاص هذه الخطوط، في نفس الوقت تفكر ماذا يمكن أن يفعل أهلها إن علموا برغبتها في ترك السنة الأخيرة من الجامعة للاتجاه إلى مستقبل مجهول تمامًا، فقررت أن تبدأ دون أن يعلم أحد، فأن يعرف الإنسان طريقه متأخرًا أفضل من الاستمرار تائهًا طوال عمره، كما تقول الخطيب لـ" بنفسج".

| صفعة حياتها

الشابة محاسن الخطيب عبارة عن ألوان تائهة، تدرس الأرقام والمعادلات في الرياضيات بناءً على رغبة العائلة، تحاول الوصول إلى رقمٍ ما يشدها نحو العالم دون أن تصير في النهاية معلمة رياضيات كما يفضل المجتمع.
 
بدأ تفكير محاسن يتجه إلى الرسم، كانت في السنة الأخيرة من الجامعة، لكنها لا تعرف كيف تركب خطوطها، فقط تملك الشغف للألوان والرسومات التي تشاهدها على الجرائد. اهتدت محاسن إلى شغفها، رسم الكاركتير والديجيتال آرت.
 
لم تستطع الدخول في المجال لعدم امتلاكها جهاز لابتوت، فأصبحت ترسم جداريات في الشارع مع شباب حتى تستطيع الوصول إلى هدفها. حدثت الفضيحة التي يعرفها المجتمع كله، رآها عمها بين مجموعة شبابية ترسم إحدى الجداريات، فأخذها إلى المنزل، ثم صفعها ليوقظها لبقية حياتها.

بدايةً، كان المال هم محاسن الأول، تفكر من أين يمكن أن تحصل على المال للبدء في دورات الرسم باهظة الرسوم بالنسبة لوضعها الاجتماعي المتوسط، فأخذت تمشي مسافات أكبر لتوفر رسوم الدورة الأولى حتى اقتصدت 300 شيكل، مبلغ الأحلام، سجلت به مباشرة في دورة رسم بورتريه. يأخذ المشي معها قرابة الساعة حتى تصل إلى مكان التدريب، تقول محاسن: "ومع ذلك لم يستهوينِ الأمر كثيرًا، لكنه ساعدني في أن أحصل على المال، أرسم شخصيات مقابل 20 شيكلًا، وأستطيع الاستمرار دون أن يعلم أهلي شيء عن شغفي الجديد، المهم ألّا أطلب منهم مالًا، فبدأت أبحث عن محاسن التي بداخلي".

في المقابلة الثانية لك معها ستنسى اسمها، فتأتيك به كاملًا "محاسن الصدف"، هكذا كانت تعرّف حياتها، إنها الصدف التي تأتي خلف بعضها بعد البكاء الشديد أمام الأبواب المغلقة المواجهة لها، تبكي بعد الخيبات التي لا تستطيع مشاركتها مع أحد خوفًا من وصول أخبار تركها الدراسة لأهلها، ومع ذلك تجد أنه من محاسن الصدف التي حدثت معها أن تخرجها أتى مع حرب 2014، وبذلك تكون انتهت من السؤال عن حفلات التخرج.

محاسن 4.jpg
رسوم من أعمال الرسامة محاسن الخطيب

أخيرًا، اهتدت محاسن إلى شغفها، رسم الكاركتير والديجيتال آرت، ومع ذلك لم تستطع الدخول في المجال لعدم امتلاكها جهاز لابتوت، فأصبحت ترسم جداريات في الشارع مع شباب حتى تستطيع الوصول إلى هدفها، آنذاك، حدثت الفضيحة التي يعرفها المجتمع كله، أن يرى أحد الأقارب فتاة مع الشباب يعني مصيبة كبيرة، رآها عمها بين مجموعة شبابية ترسم إحدى الجداريات، فأخذها إلى المنزل، ثم صفعها ليوقظها لبقية حياتها.

رأت أن هذه الصفعة هو تحدي لتكمل ما بدأت به وبمعرفة الجميع دون خوف، فبدأت بإضرابها داخل غرفتها ليومين حتى كسر أهلها الباب، كانت كل مطالبها أن يتركوها دون أن يستمعوا للناس، تريد أن تكمل شغفها الذي بدأته، أن تعيش بروحها وما بداخلها دون أن تلتفت للخوف من أحد.

| باب "جحا تون"

محاسن 6.jpg
الرسامة محاسن الخطيب في مكان عملها

كانت صفعة عمها طريق جديد لتبدأ بوضوح دون خوف، أخذت تبحث عن أماكن للتدريب في مجال الكاريكتير والرسوم المتحركة حتى وجدت شركة "جحا تون"، تقابلت مع مديرتها، وبكل عفوية قالت لها: "بدي أصير أرسم زيكم" فردت عليها أن تنتظر اتصالهم.

خرجت من المقابلة يائسة جدًا من حصولها على التدريب، في ذلك الوقت كانت قد سجلت في إحدى الدورات التي تساعدها لاختيار مكان للتدريب مدفوع المواصلات، ومع انتهاء شهر التدريب جاءها موافقة مديرة "جحا تون" على التدريب، هكذا فتحت أولى أبوابها، لكنها كانت تسمع الناس حولها تقول: "شوف الهبلة هاي بترسم"، وتضحك بينها وبين نفسها.

كانت عائلة محاسن ترفض كل هذا الوضع، حتى بدأت محاسن في العمل مع إحدى الشركات، لم تكن على خبرة كافية بالعمل، "كنت أعود للمنزل من العمل وأنا أبكي، إنني لا أستطيع أن أكون مصممة جرافيك، في هذه الأثناء تعرض والدي إلى حادث أوقفه عن العمل، فصرت أفكر كيف سأترك العمل وعائلتي تحتاج لراتبي"، تقول الخطيب.

محاسن 2.jpg
رسوم من رسم الرسامة محاسن الخطيب

تردف وهي تحاول إكمال إحدى رسوماتها"، هكذا بدأت حياتي تتغير، أن يتحول الرسم إلى راتب شهري يعيل عائلتي، أن تتغير نظرة المجتمع كلها لي، أن أصير معيلة البيت، إنه أصعب قرار اتخذته في حياتي، ألا أجعل عائلتي تحتاج أحد، وأوفر لها المستوى المعيشي الذي كانت عليه، نعم لم نكن من البداية ضمن الهاي كلاس، لكننا كنّا عائلة مستورة".

ولأن قرار "معيلة البيت" ليس بهذه السهولة، كانت محاسن تقضي أكثر أيامها دون نوم لتزيد من راتبها تبعًا لاحتياجات منزلها، تضع احتياجات الشهر، وعلى هذا الأساس تعمل، كالأب تمامًا، عائلة كاملة تنتظر عودتها بشيء، وبذلك صار الرسم الذي استهزأ به الجميع ورفضه في البداية معجزة، ينقذ أهلها من أزمتها، ويساعدها ليزيد أيامها ألوان.

كلما بكت في طريق عودتها من رحلتها الكبيرة عبر الألوان تتذكر العائلة وصفعة عمها، يزداد إصرارها ليكبر إبداعها في المجال، عملت لأربع سنوات في الشركة ذاتها حتى ذهبت إلى السعودية لأداء العمرة مطلع العام الماضي، هناك استقبلها الكثير من العملاء، لأن سوق العمل يستهدف السوق السعودي، عملت هناك ورشة عمل مصغرة، وكان من المفترض أن تبقى لأربعة أشهر أخرى، لكن الوضع العالمي لم يسمح بسبب فايروس "كورونا"، فعادت إلى غزة لتجد مدير الشركة التي تعمل بها يجهز لفصلها.

محاسن3.jpg
رسوم بريشة الرسامة محاسن الخطيب في بداياتها

لم تقف محاسن منتظرة طردها، فقدمت استقالتها بنفسها وتوقفت عن العمل، تروي محاسن شعورها مع هذا القرار: "خافت أمي جدًا، وخفت أنا أيضًا، أربعة أعوام أعيل عائلتي من هذا العمل، تحملت كل شيء لأحافظ عليه، وفجأة أقرر أن أترك، كان الخوف في عيني أمي مرعب جدًا، كأننا سنقع في الهاوية، قبل ذلك كانت كلما قلت أنني سأترك تأتي وتوقظني رغمًا عني لأعود، الآن أمي تقف مرعوبة فقط".

كانت ترى أن عملها بيتها الذي تركته بعدما كسرها، وكان هذا الباب هو أول باب تشعر بقسوته الكبيرة عند إغلاقه، تحاول طمأنة والدتها أنها ستجد أبوابًا أخرى تفتح في وجهها والشك يملأ قلبها هي، لكنها فوجئت أن الحياة مليئة بالفرص الأكبر، فبعدما تركت الشركة صممت إعلانًا لدورة مع عملائها في السعودية، وتفاجأت أن تسجيل 40 طالبًا في الدورة.

 تقول بدهشة: "أنا محاسن يسجل معي هذا العدد!"، كما أنها وجدت عملًا مع شركة أخرى أون لاين، هكذا بات الأمر سهلًا، كان في البداية صعبًا جدًا، لكنها نجت مع عائلتها: "لقد نجونا يا أمي، لم تنته الرحلة بعد، لكنني نجوت بعائلتي، لقد أصبحت مدربة في رسم الشخصيات"، تختم محاسن.