بنفسج

بعد بتر رجليه.. اتكأ مؤمن على أمٍ وزوجة

الثلاثاء 09 يونيو

كان اليُتم مقدرًا لمؤمن بعد أسبوع واحد من ميلاده، استشهد والده، فوجدت والدته الشابة نفسها أرملةً مسؤولة عن ثمانية أبناء من الذكور والإناث. وقبل أن تستوعب شكل حياتها الجديدة، هدم الاحتلال بيتها، لكن، ربط الله على قلبها، فاستجمعت قواها، ووقفت على رأس أسرتها، لتكون لأبنائها أمًا وأبًا وصديقةً.

في كنف هذه الأم، نشأ المصور الفلسطيني مؤمن فايز. أخذ منها خبرتها في مواجهة الصعاب، فكانت هذه الخبرة وسيلته للنهوض من بعد الإصابة التي أدت إلى بتر رجليه الاثنتين، وعدا عن دروس الصبر والتحدي، كانت أمه تشجعه على العودة إلى التصوير، وكذلك فعلت زوجته.

| دروس حياة

مؤمن فايز (32 عامًا) مصورٌ فلسطيني، يعمل في الإعلام منذ نحو 14 سنة، كان يدرس تصميم مواقع الإنترنت والعلاقات العامة والإعلام، حتى وقف الاحتلال الإسرائيلي في وجه طموحاته، عندما أُصيب في الحرب الأولى التي شنّها الاحتلال على قطاع غزة، وفي إثرها بُتِرَت رجلاه، وكانت هذه الإصابة الأقسى من بين ثلاث إصاباتٍ تعرّض لها.
 
إصابته كانت خبرًا أكثر يُسرًا على والدته، فقد عرفت أن ابنها مُصاب، بعد أن شاع نبأ استشهاده وتناقلته وسائل إعلام كثيرة، فهي بعدما ظنّت أنها تتجرع من كأس الفقد مجددًا، حمدت الله عندما سمعت بأن آخر عنقودها على قيد الحياة.

فايز (32 عامًا) مصورٌ فلسطيني، يعمل في الإعلام منذ نحو 14 سنة، كان يدرس تصميم مواقع الإنترنت والعلاقات العامة والإعلام، حتى وقف الاحتلال الإسرائيلي في وجه طموحاته، عندما أُصيب في الحرب الأولى التي شنّها الاحتلال على قطاع غزة، وفي إثرها بُتِرَت رجلاه، وكانت هذه الإصابة الأقسى من بين ثلاث إصاباتٍ تعرّض لها.

إصابته كانت خبرًا أكثر يُسرًا على والدته، فقد عرفت أن ابنها مُصاب، بعد أن شاع نبأ استشهاده وتناقلته وسائل إعلام كثيرة، فهي بعدما ظنّت أنها تتجرع من كأس الفقد مجددًا، حمدت الله عندما سمعت بأن آخر عنقودها على قيد الحياة. يقول فايز عن والدته: "‏أمي لعبت دورًا مهمًا جدًا في حياتي، فقد كانت لي الأم والأب والصديق، تدعمني أنا وإخوتي لتحقيق أهدافنا وأمنياتنا".

ويضيف: "هي إنسانة صابرة محتسبة، ‏كانت تحمل عبئًا كبيرًا، حيث هدم الاحتلال البيت بعد استشهاد والدي، ولكنها تجاوزت تلك المرحلة وسخّرت حياتها لأبنائها، وكانت تدير شؤون الأسرة بأفضل وجه رغم الظروف الصعبة التي كنا نمرّ فيها". "تحرم نفسها من أشياء كثيرة لتوفر لنا المال للمستقبل"، هذا أكثر ما كان يراه فايز من والدته في طفولته، ومن هنا، تعلّم العطاء. ومن باقي حياتها، وكفاحها لتوفير حياة كريمة له ولإخوته، تعلم الرضا، والصبر، والتحدي، وعدم الاستسلام، وأن لا شيء مستحيل، وأنه يستطيع أن يفعل كل شيء لو أراد.

"كان لها دور في عودتي للتصوير، ولطالما حدثّتني على فضح جرائم الاحتلال التي يرتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين والصحفيين في قطاع غزة، ‏لأنها جزءٌ من صورة المعاناة، وتعرف حقّ المعرفة ما يعانيه الناس، وتؤمن بأهمية نقل الحقيقة للعالم".

يوضح: "صفات الصبر والتحدي هذه، كانت أهم ما استندت إليه لأعود لممارسة حياتي المعتادة بعد إصابتي، فلولا الصبر لانهرت بعد فقد رجليّ، ولولا صمودي لظننت أن الحياة توقفت في تلك اللحظة، ولولا الإرادة ما كافحت لأستمر".

دعم والدته جاء ليكمل ما فعلته تلك الصفات، إذ يقول: "كان لها دور في عودتي للتصوير، ولطالما حدثّتني على فضح جرائم الاحتلال التي يرتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين والصحفيين في قطاع غزة، ‏لأنها جزءٌ من صورة المعاناة، وتعرف حقّ المعرفة ما يعانيه الناس، وتؤمن بأهمية نقل الحقيقة للعالم".

ساهمت في عودة ابنها للتصوير، رغم أن هذه المهنة كانت "كابوسًا" بالنسبة لها سابقًا، فبحسب فايز: "كانت أمي تخاف من عملي كثيرًا، وتخشى على حياتي، لكنها لاحقًا أدركت أن كل فلسطيني مستهدف، أيًا كان عمله". لم تعد والدته تعترض على عمله، وصارت تكتفي بأنه تحفّه بدعواتها: "الله يحفظك في عملك". وأكثر من ذلك، تفخر به كثيرًا، يبين: "تفتخر أمي بالصور التي ألتقطها، وتسعد عندما ترى صورة مذيلة باسمي في الصحف والمجلات والمواقع العالمية".

| الزوجة وتغيير النظرة

27 (3).png

بينما كان مؤمن يخضع للعلاج من الإصابة في المملكة السعودية عام 2009، أشار عليه قلبه باتخاذ خطوة تضيف "لمسات عظيمة" إلى حياته، إنه قرار الزواج من "ديما"، الشابة التي كانت تتردد على المستشفى مع أسرتها لزيارة المصابين القادمين من غزة للعلاج. يقول: "فكرة الارتباط أضافت لي لمسات عظيمة، وحققت لي الكثير من الإنجازات، أولها منحي الأمل في الحياة من جديد، فبعد أن كنت على مسافة قريبة من الموت، وجدت أنني قادر على تكوين أسرة جميلة".

ويضيف: "وأي شيء يعيننا على تحقيق السعادة في الحياة أكثر من أن نعيش في كنف أسرة مترابطة تمنحنا القوة؟!". يوضح: "كنت جديد عهد بالإصابة التي فرضت عليّ واقعًا جديدًا لا بد لي من التعايش معه، وفي ظل ذلك الظرف قد يبدو التفكير بالزواج أمرًا غريبا في نظر البعض، لكنه بالنسبة لي كان قرارًا في الاتجاه الصحيح؛ فقد كنت بحاجة إلى من يخفف عني المعاناة، ويتفرغ لمساندتي، وهذه المهمة كانت صعبة على والدتي التي لم تتمكن من مرافقتي في رحلة العلاج بسبب وضعها الصحي".

كان القرار صحيحًا، والاختيار كذلك، وهذا ما يتبين من حديث مؤمن عن زوجته: "تقبلت ديما إصابتي تمامًا، ووهبت نفسها لي، كانت نعم السند، وخير مكمل لحياتي، دعمتني بقوة، ويمكن القول إنها الداعم الأساسي لي في اتجاه العودة للعمل". دعم الزوجة لم يغير مؤمن فقط، بل ساهم في تغيير نظرة الكثير من الناس له، وتحديدًا أولئك الذي كانوا يرونه "مسكينًا يستحق الشفقة والتعاطف" بسبب الإصابة. واليوم يبدون إعجابهم بصبره وإصراره واستمراره في حياته.

| زهراتٌ تحيين طفولته

مؤمن وبناته.jpg
مؤمن فايز برفقة بناته

"جنى" و"سناء" و"هناء"، إضافة إلى الصغير "محمد"، ثمرة زواج مؤمن وديما، سببٌ في زيادة تماسك الأسرة ورفع منسوب السعادة فيها، رغم المسؤوليات التي يفرضها وجودهم، ذلك لأن "الحياة شراكة وتعاون واستمرار لما بدأه الزوجان سويًا"، كما يرى مؤمن.

الزهرات الثلاث منحن أباهنّ لونًا جديدًا، وأخذن بيد الطفل الذي بداخله للانطلاق، دومًا يغني لهنّ أغنية من جملة واحدة جمع فيها أسماءهن: "جنى ورا سنا يا محلى يوم الهنا". يوضح: "هنّ صديقاتي، أحاول أن أعطيهن، ومعهن أخوهن بالطبع، كل ما تحتاجه الطفولة، تلك المرحلة التي قضيتها محرومًا من العيش بسلام وأمان مع أبي وأمي بسبب الاحتلال".

ولأنه أبٌ لثلاث بنات في مجتمع ينتظر الأبناء الذكور، يؤكد: "إن كان ثمة فرقا بين الأبناء الذكور والإناث، فهو لصالح البنات بالتأكيد، هنّ أكثر لطفًا، وأكثر طاعة لأبويهما، تحيين طفولة الرجل النائمة فتخففن عنه مصاعب الحياة وهمومها".

| صورٌ تليق بها

26 (3).png

يري مؤمن أن المرأة تضيف لحياة الرجل الكثير من التأثيرات الإيجابية، وأنها تمهد له الطريق لاتخاذ القرارات السليمة والسير في الطرق الصحيحة، خاصة إن كانت واعية ومثقفة، وفي حال أخطأت فهذا ليس بسبب كونها امرأة، وإنما لأنها من بني البشر الذين يخطئون ويصيبون.

ويؤكد: "إعطاء المرأة حقّها وإنزالها مكانتها الحقيقة، لا يكون بالكلام الطيب عنها في حضورها أو غيابها وحسب، بل يجب أن يكون بالفعل، وبالشراكة، وبالعلاقة الطيبة التي تلامس المشاعر؛ فالمطلوب من الرجل تجاه نساء أسرته أن يؤسس لعلاقة سليمة، وصداقة دائمة، وأن يفكر ألف مرة قبل اتخاذ أي قرار يمكن أن يسبب الضرر لهن". ويضيف: "ومن واجبه دعم هؤلاء النسوة، وتوفير الفرص لهن لتطوير ذواتهن، ومنحهن الحرية، وكل ما يحقق لهن الثقة بالنفس".

يحرص على معرفة رأي النساء في صوره، ويأخذ من ملاحظاتهن ما يساعده على التقاط صور أفضل، ذلك لأن المرأة قد ترى ما لا يراه الرجل من التفاصيل. وهو سعيد بما يحققه برفقتهنّ الودودة.

في حياة مؤمن المهنية، المرأة حاضرة، واحترامه لها يظهر في عمله، إذ يبين: "أحاول أن أُظهر المرأة في صوري بما يليق بها كمناضلة راسخة كأشجار الزيتون، تضحي من أجل أبنائها ووطنها، خاصة تلك الصور التي أشارك بها في معارض عالمية، أوصل من خلالها رسالة مفادها أن المرأة شريكة للرجل في مختلف جوانب الحياة اليومية، هي معه جنبًا إلى جنب في الكفاح والعمل والحياة". 

ليس هذا فحسب، وإنما أيضًا يحرص على معرفة رأي النساء في صوره، ويأخذ من ملاحظاتهن ما يساعده على التقاط صور أفضل، ذلك لأن المرأة قد ترى ما لا يراه الرجل من التفاصيل. وهو سعيد بما يحققه برفقتهنّ الودودة.