بنفسج

أبناء بشكوك دينية.. خطوات مطمئنة لأوقات ليست كذلك

السبت 22 يناير

ديما مصطفى سكران

لقد كبر الأبناء والبنات وصاروا يطرحون الأسئلة ويبدون تشككهم في المسلمات، لذا قد تسمعهم ينتقدون المعتقدات الدينية ويبدون نوازعَ لإنكارها، وقد يصل الأمر بهم إلى إعلان ميلهم للإلحاد. والردود على شبهاتهم هذه موجودة بغزارة في بطون الكتب وفضاءات الإنترنت في إطارها العلمي المجرد، لكن ما ينقصها غالبًا هو أن ترشد الأهل لكيفية التعامل مع أبنائهم في مواقف مشابهة نفسيًا وعاطفيًا حتى لا يفاقمون المشكلة ويفشلون في احتواء الابن أو الابنة في هذه المرحلة. ننصحك بالانتباه لهذه النقاط الآتية عند تعاملك مع ابنك الذي يبدي شكوكًا دينية أو ميولًا إلحادية.

| للتعامل مع الابن المشكك بالدين

image.png

| لا تصب بالذعر: كثيرون حين يسمعون أبناءهم يأتون بمثل هذا الكلام يتملكهم الذعر ويفقدون رباطة جأشهم، فتأتي استجاباتهم انفعالية ومنفِّرة للابن المرتبك أساسًا، لذا كن هادئًا وأنت تتلقى بوادر من هذا النوع، وإياك أن تستسلم للمخاوف.

| اعرف أن العدائية دليل خوف: تذكر أنه سيكون مذعورًا أكثر منك بأضعاف، وليست انفعاليته إلا دليلًا على خوفه من مستقبل علاقته مع محيطه. إنه يحاورك بغضب، أو يلجأ للاستهزاء من أجل كبت خوف كبير بداخله من الرفض. لقد تملكته هذه الشكوك الجديدة، وهو عاجز عن كبتها، ويعرف أنه لا بد من المواجهة الآن، ولذا فإنه يستعد لها بكثير من الانفعال والعناد اللذين يشجع بهما نفسه على الصمود أمام رفض الآخرين له، لذا احتوِ انفعاله وتفهم أن حدته فعل استباقي دفاعي.

| لا تتعامل مع شكوكه على أنها انحراف سلوكي: قد ينفع الغضب والخصام والمقاطعة لو كان المراهق قد سرق أو أتى سلوكًا مشينًا، أما الشكوك فليست بالضرورة ذنبًا يتوجب العقاب، بل هي ناتجة عن موقف فكري يستحق أن يعطى حقه من الإصغاء والنقاش، فلا تعاقبه عليها.

| لا تتهمه ولا تسطح أسباب شكوكه:  يسارع الأهل عند مواجهتهم لموقف كهذا إلى البحث عن تفسيرات لتغير ابنهم المفاجئ، ليلقوا بها على التتالي في وجهه، عوضًا عن التعامل مع المسألة الحالية. فيخبرونه أنه ضل لأنه صاحب المجموعة الفلانية أو استمع إلى المضلل الفلاني أو لأنه يريد الاستسلام لشهواته، وفي هذا تسطيح للمسألة وتجاهل للمشكلة الحالية في سبيل البحث عن شماعة لإلقاء اللوم عليها.

 
لا تحوّل الأمر إلى فضيحة:
 وفي حين يسعى بعض الأهل إلى إبقاء الأمر طيّ الكتمان، يسارع البعض الآخر بسبب ذعرهم إلى الاستعانة بأي كان من أجل استشارته أو لتغيير رأي ابنهم، كإمام المسجد في الحي، أو العم الأكبر، أو صديق الوالد، مما يحول المسألة إلى فضيحة تصعب لملمتها، وتؤدي إلى تدخل أيادٍ كثيرة في هذا الأمر وإفساده إما بنصائح غير رشيدة أو بالضغط على الابن أو الدخول معه في حوارات انفعالية من قبل أشخاص غير مؤهلين لاستيعاب الموضوع.

| لا تخشَ الفضيحة، ابنك أهم: ويخشى البعض الفضيحة، فيلجؤون لتهديد الابن أو حرمانه من المصروف أو توعده بالعقوبة للضغط عليه لإخفاء أمر شكوكه عن الناس. قد تتم لملمة الأمر بهذا الشكل مؤقتًا، لكن هذه الطريقة هي الطريقة الأسرع لخسارته.

| أعطه الأمان: يجب أن يكون لأي ابن علاقة قوية مع أحد أفراد أسرته أبًا كان أو أختًا أو عمًا، علاقة تتسم بالحب غير المشروط، وبالأمان غير المهدد بأي شيء، وبالثقة المطلقة. يجب أن يكون المراهق قادرًا على أن يقول لهذا الشخص أي شيء، وحين أقول أي شيء فأنا أعني تمامًا أي شيء، مهما كان، دون أن يهز هذا الشيء هذه العلاقة، حتى لو كان اعترافًا بجريمة قتل، أو ميولًا شاذة، وحتى ولو كان كفرًا بواحًا.

الكثير من الأبناء لا يتكلمون عن شكوكهم منذ البداية لأنهم خائفون من ردة فعل الآخرين، لأنهم موقنون بأنهم سيفقدون مكانتهم كأبناء مدللين أو ستهتز صورتهم كأشخاص صالحين، لذا يجب ألا يكون لهذه المخاوف وجود حتى يستطيع الابن أن يفصح عن ما يدور بخلده من شكوك بدون خوف.

| أبقَ حبل الودّ بينكما: إن أساس الحوار نفسي وعاطفي قبل أن يكون عقلانيًا، فنحن سنميل لرفض فكرة ما إذا صدرت عن شخص نكرهه، وسيكون تقبلنا لها أفضل بكثير لو صدرت عن شخص نحبه، لذا أبقِ حبل الود بينكما ليكون قادرًا على سماعك بقلب مفتوح.

| أصغِ كثيرًا ولا تقاطعه: ابنك ليس بحاجة الآن إلا لشخص يسمعه، هناك عاصفة من الأفكار تدور في رأسه، يحتاج أن يشارك هذه الأفكار والمشاعر مع شخص آخر، فإن لم يجد لديك أذنًا صاغية بها فسيبحث عمن يسمعه غيرك، ممن قد يشجعونه. اسمعه، أنصت باحترام، مهما كان الكلام مستفزًا، انظر في عينيه وابدِ رغبتك في أن تعرف ما يجول بخاطره.
 
دعه يكمل حتى تفرغ جعبته تمامًا وينفس عن كل مشاعره. حاول أن تشاركه شكوكه التي تجدها منطقية، وابحث عن نقاط اتفاق معه لتؤيد بعضًا من كلامه، تحلَّ بالصبر مهما بدا الكلام غير منطقي، فقد تكون الفكرة واضحة في ذهنه، ولكنه عاجز عن إخراجها لغويًا بشكل مرتب، ساعده على ذلك بطرح الأسئلة، واستوضح منه بهدوء.

| تذكر أن الأمر لا يبدأ فجأة: هناك الكثير من الإشارات التي يرسلها الأبناء تدل على تغير توجههم الفكري، والتي يجب تلقيها باهتمام. ومن يفاجؤون بتحول أبنائهم إلى الإلحاد، فلقد فوتوا على أنفسهم محطات كثيرة كان بإمكانهم أن يغيروا فيها السكة مبكرًا، لذا أعطِ سمعك وقلبك لابنك، وشجعه على الكلام، ولا تستهن بأسئلته، ولا تنه النقاشات الدينية معه بسرعة معتبرًا أنك أديت مهمتك بحجة أسكتته. أعطه الفرصة ليتكلم عن كل ما يؤرق إيمانه أولًا بأول، فكثيرًا منها ما كان ليتعاظم لاحقًا لو وجد الجواب الشافي منذ البداية.

| لا ترد على شكوكه مباشرة: في ردك المباشر رسالة قوية تنبئ عن رفضك الكلي والمسبق لما يقوله، بل يجب أن يشعر محاورك أنك تنظر إليه بندية، وأن بضاعته الفكرية ثمينة ومقدرة تماما كبضاعتك، فإذا كنت تريد الرد فأعط نفسك على الأقل هنيهات من هز الرأس والهمهمة قبل أن تصوغ كلامك، أو أجله تماما حتى جلسة أخرى. من الضروري أن يشعر أنك سمعته جيدًا وأن كلامه يستحق التفكير.

| لا تستسهل الرد: إن كنت قليل الاطلاع فلا تستسهل الرد من معلوماتك المحدودة، ابحث في بطون الكتب وفضاءات الانترنت، وابذل جهدًا كبيرًا في الإتيان بردود مقنعة. لا تستخف بعقله، وسيكون رائعًا لو اقترحت عليه أن تبحثا معًا عن الحجج التي تفند شكوكه، ناقشاها سويًا، استبعدا ما لا تريانه مقنعًا معًا، ضعا علامات استفهام، واستخلصا الحجج الأكثر إقناعًا.

| الجأ للمختصين: إن كنت ممن ليست لديه الأهلية الكافية للرد على الشبهات، فمن الأفضل دومًا اللجوء إلى المختصين ذوي الخبرة، إما للتزود منهم بالمعلومات، أو لإدخالهم في النقاشات شرط أن يوافقوا أولًا على شروطك التي تجعل جو النقاش وديًا وآمنا للطرف الآخر.

 
| أبقيا علاقتكما طبيعية:
استمر بإظهار الحب والدعم النفسي، تابعا ممارسة النشاطات وخوض الأحاديث المرحة، حافظا على علاقتكما دافئة. إنها مجرد أفكار، والشباب الآن قابعون تحت ضغط وتشويش فكري رهيبين، لكنه ابنك الحبيب وليس عدوك. لا تسخط عليه فترى كل ما فيه أصبح قبيحًا، ولا تحرمه من الحب وحضن الأسرة، لأنك إن فعلت فسيبحث عن وسط آخر يتقبله. أخبره أنك لن تتخلى عنه نهائيًا مهما حصل.

| لا تستعجل وتقبل أن يبقى الأمر غير محسوم: لا تتعامل مع إزالة شكوك ابنك على أنها مهمة مستعجلة يجب الخلاص منها بأسرع وقت، فهذه الأمور تأخذ وقتا قد يطول ويقصر، وعليك أن تتحلى بطول النفس. لذا تقبل أن تبقى الكثير من الأمور أثناء نقاشكما غير محسومة، واسعَ تدريجيًا لبناء أرضية مشتركة لحواركما. مثلًا، كبداية أن تتفقا على أن للكون خالقًا، جيد جدًا أن تتفقا على صحة تواتر القرآن. كلما كانت هذه القاعدة أكبر كانت النقاشات اللاحقة أكثر جدوى، لذا اجعل أساسيات الدين هدفك وغض طرفك عن الأمور الثانوية، فإذا بقيت هذه غير محسومة فالأمر طبيعي ويحتاج إلى وقت.

| لا تحول الأمر إلى مسألة كرامة: قد تشفى الشكوك لاحقًا، وقد تتعافى القناعات، ولكن جرح الكرامة الغائر سيكون أقوى من نداء الحق، فالدوافع النفسية للسلوك أقوى دومًا من الدوافع العقلانية. لذا فإن جراحه التي سببتها له أثناء نقاشاتكما العنيفة ستمنعه لاحقا من إعلان تراجعه، بل قد تدفعه إلى مجاهرة أكبر من أجل الانتقام لنفسه والتنفيس عن غضبه وخيبته.

| اتفقا على أن الشك مرحلة مؤقتة: اتفقا على أن الإنسان عاجز عن الوصول للحقيقة المطلقة، وإن كان يطالبك بالشك بمعتقداتك، فطالبه بأن يستمر في ممارسة شكه مع قناعاته الجديدة، وبأن يبقي قلبه وعقله مفتوحين دومًا لتقبل أي زاوية جديدة للنظر، فمثلما كان الإيمان في حياته مرحلة مؤقتة قد يكون الشك كذلك مرحلة مؤقتة قد تمر لتصبح من الماضي ما دمت قد أحسنتَ تفادي المطبات النفسية والعاطفية.

| تذكر أنك لا تهدي من أحببت: إذا عجزت عن إحداث التغيير الذي تتوخاه، فتذكر أنك لن تكون أفضل من الأنبياء، فهذا نبي الله نوح لم يستطع أن يكون سببًا في هداية ابنه، وهذا عم النبي أبو طالب مات على الكفر وسيدنا محمد يدعو للإسلام في كنفه. اصبر واحتسب، وادع له بالخير دومًا، فلربما يعود إيمانه بعد الشك أقوى مما كان، ولربما يهديه الله لاحقًا، ليعود إلى حضنك بعد أن أبقيت أبوابك مفتوحة له دومًا.