بنفسج

لأن الآباء لا يموتون.. "سمر البع" تصاحب النحل والعسل

الأربعاء 10 يونيو

برداء أبيض وقفازات مطاطية وغطاء رأس محكم وقناع شبكي، تقف شابة في أواخر العشرينيات وسط صناديق خشبية مليئة بخلايا النحل، تتفقدها بدقة وبجانبها مدخن يخرج منه دخان بشكل متواز ليسهم في تهدئة النحل، حيث إن رائحة الدخان توحي للنحل بأن حريقًا قد حدث في الخلية، فيسرع إلى ملئ الحويصلة بالعسل، ولكنها مع كل التكتيك والملابس المحكمة قد تتعرض في بعض الأحيان لقرصات خفيفة من صديقها الدائم، النحل.

|عسل للشهيد

سمر البع، صاحبة أول منحلة في قطاع غزة، خريجة تعليم أساسي من جامعة القدس المفتوحة، والد سمر استشهد أثناء اجتياح بري لمدينة بيت حانون، ودُمرت مزرعة النحل الخاصة به بالكامل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

 فقررت أن لا تستسلم وتحقق حلم الطفولة بافتتاح منحلة والدها، ودبّ الحياة فيها من جديد. منذ وفاة والدها وهي تحلم أن تعيد ذكراه لتخلدها، ويبقى اسمه باقيًا سعت واجتهدت حتى أعادت فتحها وحصلت على الدعم المالي من مؤسسة "التعاون" الألمانية.

سمر البع، صاحبة أول منحلة في قطاع غزة، خريجة تعليم أساسي من جامعة القدس المفتوحة، لم تترك نفسها لتقف في طابور البطالة، فأوجدت بنفسها فرصة عمل لها، حيث تُحب بالرغم من رفض عائلتها للعمل في عالم النحل نظرًا لغرابة الأمر لفتاة، وكيف لها أن تعمل مثل هذا العمل الذي ترفضه التقاليد وغير المألوف للنساء، إضافة إلى أن المنحلة الخاصة بها تقع في منطقة بعيدة عن منزلها وقريبة جدًا من الحدود مع الاراضي المحتلة مما يشكل خطرًا عليها.

 والد سمر استشهد أثناء اجتياح بري لمدينة بيت حانون، ودُمرت مزرعة النحل الخاصة به بالكامل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من مرور سنوات وسنوات على الحادثة لم تنس سمر شغف والدها، فقررت أن لا تستسلم وتحقق حلم الطفولة بافتتاح منحلة والدها، ودبّ الحياة فيها من جديد.

منذ وفاة والدها وهي تحلم أن تعيد ذكراه لتخلدها، ويبقى اسمه باقيًا سعت واجتهدت حتى أعادت فتحها وحصلت على الدعم المالي من مؤسسة "التعاون" الألمانية، وبدأت مشروعها ب 24 خلية ومع العمل الدؤوب وصلوا إلى 60 خلية. تقول سمر: "في البداية، رفضت عائلتي الفكرة خوفًا من تعرضي للخطر حيث تطلق قوات الاحتلال بين الحين والآخر النار على المتواجدين، ولكني نجحت بإقناعهم وشرعت بالعمل برفقة أشقائي الاثنين، فأصبحت مديرتهم أوزع العمل فيما بيننا".

قواعدها الثابتة

سمر2.jpeg
 

فتاة المنحلة التي تسير على خطى معلمها الأول، تعلمت منه الصدق والحرص على إتقان ما تفعله، إضافة إلى العديد من الأشياء التي تخص عالم النحل، تضيف: "كنت أذهب مع والدي وأنا لم أتجاوز الخمسة عشر عامًا، أركض وألعب في المزرعة، وأرى كيف يقوم بعمله، وكيف يتعامل مع خلايا النحل، وكيف يعمل على تدفئته وقطف العسل منه".

ترجع فتاة المنحلة سبب نجاح مشروعها وجودة العسل الصادر عن منحلتها الخاصة بفضل حرصها على قطف العسل مرة واحدة في العام بفصل الربيع، ليعطيها عسلًا صافيًا، كون النحل يتغذى على الأزهار فقط، على عكس العديد من أصحاب المناحل الذين يقطفونه مرتين في العام، ويضيفون له السكر المصنع، وبالتالي، يكون عسلًا مغشوشًا.

وتعكف سمر على زرع نباتات طبية؛ مثل المرمرية والزعتر والريحان والمورينجا والنعناع ليتغذى عليها النحل. الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة طال سمر ومزرعتها، حيث تحتاج إلى علاج خاص بالنحل يعمل على تنشيطه، ولكنه ممنوع من الدخول للقطاع.

سمر التي تذهب لعملها يوميًا سيرًا على الأقدام بسبب وجود المزرعة على الشريط الحدودي، والذي يبعد عن منزلها حوالي 300 مترًا بسبب عدم وجود وسيلة نقل في تلك المنطقة نظرًا لتعرجات الطريق والرمال المتناثرة وصعوبة سير العربات بأمان فيه، لم تتوان يومًا عن الذهاب لعلمها، بل تتوجه له بصدر رحب وبهمة عالية.

تعرضت في مرات عديدة لإطلاق نار مباشر من قبل قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة على الشريط الحدودي لبيت حانون، ولكنها لم تهتم وواصلت عملها في بيتها الثاني.

| سيدة النحل

690.jpg


أما عن مواقف سمر المضحكة مع النحل، تقول لبنفسج: "في أول يوم عمل جاء لي طفل في المنحلة ورمى حجرًا نحوي وإذا بالنحل يخرج من الصناديق ويلاحقني، فبدأت أركض بأقصى سرعة ممكنة إلى خارج المزرعة". بالرغم من أن فتاة المنحلة ملتزمة بالزي الخاص في المزرعة إلا أنها تتعرض أحيانًا للسعات من النحل تداويها بطريقتها في كل مرة، ومع كل لسعة تذكر والدها الذي كان يتعرض أيضًا لقرصات رفيقه الأبدي.

سمر تعمل على تعبئة العسل في عبواته المخصصة وتضيف له المكسرات وتزينه بطريقة جذابة، وتسوّق له بطريقة جيدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى حرصها على عملية التوزيع على العديد من الأماكن والصيدليات. صاحبة أول منحلة في غزة، تطمح لأن تطور من عملها أكثر، وتصبح أكبر سيدة أعمال في عالم النحل.

يُذكر ووفقًا لوزارة الزراعة الفلسطينية أن قطاع غزة يوجد به حوالي 20 ألف خلية نحل، ويبلغ معدل إنتاج كل خلية بموسم الربيع ما بين 8-10 كيلوجرامات من العسل ونحو 5 كيلوجرامات بموسم الصيف، بإجمالي إنتاج سنوي يصل إلى 250 طنًا. كما يبلغ ثمن الكيلوجرام الواحد من العسل الفلسطيني المنتج في غزة 70 شيكلًا (نحو 19 دولارًا).