بنفسج

عروسة الإسماعيلة: كيف تغير المجتمع المصري في نصف قرن!

الأحد 20 فبراير

يُعرف صعيد مصر بأنه مصنع الرجال، مجتمع يميل إلى القبلية والبداوة، يورث لأبنائه مجموعة من العادات والتقاليد الصارمة، يحافظ على ما بقي من إرثه ضد التيارات والتغيرات والأفكار التي تغزو مجتمعاتنا الآن، وتتسبب في صدمة لدى الأسر المحافظة على إرثها من العادات والتقاليد، والأعراف التي أقرها الأجداد للتعامل مع الحياة وفي التعامل مع المرأة، وتدونها الحكايات الشعبية التي تصل إلينا، وتحكي عن المواقف التي كانت تُتخذ من أجل المرأة. في تراثنا الإسلامي طلب أبو جهل السماح من أسماء بنت أبي بكر حتى لا تذكر عنه العرب فعلته الشنعاء حين قام بلطمها، وأخذ يقول: (خبئيها عني، خبئيها عني).

في الحكايات الشعبية التي كانت تنقل لنا صورة عن حياة الأجداد الأوائل، كان قاطع الطريق لا يتعرض لامرأة، وحين تقع العائلة في دوامة الثأر لا يُؤخذ من امرأة، وحين يغضب شخص ظالم حين يرفض من امرأة ويتعرض لها بالأذى تتخلى عنه عشيرته الظالمة... وغيرها من المواقف التي تشرح طبيعة المجتمع وتعاملاته. هكذا تكونت صورة الصعيد والأرياف في الوعي الجمعي المصري، فما الذي نشاهده الآن يحدث داخل البيئات المحافظة ولا نرى مثله في المدن التي فقدت هوية أبنائها. رغم ذلك أتذكر حكاية عن أب صعيدي سكن في إحدى المدن، حين توفي وترك خلفه ابن وابنة، قرر الجد والجدة أن الابن أخ لأولادهم، فقرروا أخذ الولد وتربيته وترك البنت لأهل أمها! هل كان هذا إنذار بتغير الطباع، أم بتغير العادات والتقاليد تحت وطأة الفقر؟!

| نظرة عن كثب

يقول د. جلال أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين في نصف قرن" عن تغير مركز المرأة داخل المجتمع، بأن الحياة الأسرية المصرية في عهد والده د. أحمد أمين رحمه الله كانت أكثر استقرار وهدوءًا عن الحياة التي تعيشها ابنته، فهل انتقل هذا الاضطراب إلى الأجيال التالية حتى تحول إلى تلك الصورة الهمجية التي نشاهدها اليوم؟!

في كل يوم أخبار صادمة... مصرع طبيبة مصرية في المنوفية على يد زوجها، تهشم رأسها، ينكر الزوج ويقول إنها سقطت، فكيف تهشم الرأس إذن؟! في محافظة الدقهلية التي تمتلك النصيب الأكبر من الجرائم البشعة بين الأزواج، نجد زوجًا يصور زوجته في أوضاع خاصة جدًا ويقوم بابتزازها بها حتى لا ترحل، ويهدها في حين رحيلها بالنشر! زوج آخر يطلب من عامل لديه اغتصاب زوجته حتى يستطيع الهروب من التزامات عقد الزواج، ويتهمها بالخيانة، فتُقتل على يد العامل، فتخرج الحكاية للنور. وغيرها من الحكايات والأسرار المدفونة داخل البيوت لا يعلمها إلا الله، لم توثقها عدسة الكاميرا.

السؤال هنا متى تغير المجتمع بتلك السرعة من دون أن ندرك؟! يقول د. جلال أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين في نصف قرن" عن تغير مركز المرأة داخل المجتمع بأن حياة الأسرية المصرية في عهد والده د. أحمد أمين رحمه الله كانت أكثر استقرارًا وهدوئًا عن الحياة التي تعيشها ابنته، كانت الأم تمتلك وقتا تقضيه في هدوء وسكينة داخل بيتها بعيدًا عن صخب الحياة ورحاها التي لا ترحم أحدًا، في كل يوم كان يجد ابنته تصارع الحياة وتشارك في كل تفاصيلها وكان القلق يزيد... فهل انتقل هذا الاضطراب إلى الأجيال التالية حتى تحول إلى تلك الصورة الهمجية التي نشاهدها اليوم؟!

| مشهد عبثي


فتاة ترتدي ثوب الزفاف تتعرض للضرب على يد زوج المستقبل حين تهمس له أخته بأن خلافًا أو أمرًا ما حدث بينهما، يضربها الزوج الذي يتبين فيما بعد أنه ابن عمها الذي جمعته بها قصة حب تتجاوز ثلاث عشر سنة؟! يسيل الدم ويلوث ثوبها الأبيض، حولها جموع هائلة من البشر، ولا يتدخل أحد!  تخرج النساء على مواقع التواصل الاجتماعي صارخات مما حدث، تصور أحدى الفتيات الفيديو وتنشره، وتخرج في بث مباشر في محاولة للدافع عن نفسها بعد الصلح بين الزوجين. تكتب أخرى أن العروسة يتيمة لذلك حدث لها هذا لو كان لها أب أو أم أو أخ لما حدث لها هذا فنتفاجأ بأن العريس ابن عمها؟!! يصرح بأن "ضرب الستات عندينا عادي" تكتب امرأة ثانية أن العروس لا تعي ما مرت به ستفهم بعد فترة زمنية ما حدث، وتدرك ما تعرضت له من عنف. ويكتب آخرون بطريقة مريرة عن انتظار العروسة في كفن، ويطالب آخر بسجن العريس.

ثم يخرج علينا العريس وهو يحتضن عروسته في بيت الزوجية، وحولهم جمع غفير من الرجال ذوي القفاطين، يتحدث إلى الكاميرا قائلًا بأن هذا "سِلو" الصعايدة، وأن الضرب جزء من تقاليد تلك العائلة، ولم يحدث شيء غير مألوف ضرب الزوج لزوجته أمر عادي، وحوله الجمع الغفير من الرجال يؤكد على ذلك وعلى تلك الطباع، يخرج في مقابلة على إحدى الصحف ويؤكد كلامه قائلا: "أنا بتأسف لستات مصر كلهم عشان لولا هما إحنا مكناش جينا والناس دي يعني بجد منعرفش نعيش من غيرهم بجد" وينسى أن يتأسف للعروس أمام الشاشة، كما ضربها أمام الناس ولم يأبه لأحد. وتقول هي "لا ذنب له، الحق عليا أنا عصبية".

| الرجل ورؤيته للمرأة

فتاة ترتدي ثوب الزفاف تتعرض للضرب على يد زوج المستقبل حين تهمس له أخته بأن خلافًا أو أمرًا ما حدث بينهما، يضربها الزوج الذي يتبين فيما بعد أنه ابن عمها الذي جمعته بها قصة حب تتجاوز ثلاث عشر سنة؟! يسيل الدم ويلوث ثوبها الأبيض، حولها جموع هائلة من البشر، ولا يتدخل أحد!  
 
تزدحم رأسي بالتساؤلات عن الأمر الذي دفع فتاة لتحمل تلك الواقعة والخضوع إلى تلك الأسرة وقوانينها الظالمة، ما الذي كانت ستمر به تلك الفتاة لو لم تسجل الكاميرا الواقعة، ما الأمر الذي دفع رجل إلى ضرب امرأة؟

تحدد الدراسات النسوية الدور الذي يرى فيه الرجل المرأة أنها وعاء للإنجاب فقط لا غير، وأن دورها يقتصر فقد على إنجاب الأولاد، والسمع والطاعة، ومساعدة الزوج في جعل البيت أكثر راحة وهدوءًا حين عودته.  تلك الجملة البسيطة التي قالها عريس الإسماعيلية تؤكد على رؤيته لهذا الأمر. لم يعتذر عما بدر منه في حق زوجته، لم يفكر في حقها ولا في كيفية تعامله معها أمام الناس، وكيف سمح لنفسه بالإساءة لامرأة، تذكر فقط حق أخته حين أخبرته بالأمر الذي دفعه للضرب بكل تلك الكراهية وهذا الغضب، يؤكد على إرضاء النساء الثائرات، فتوجه برؤيته الخاصة إلى جمع النساء الغاضبة التي تكتب عن تلك الواقعة، ويؤكد على كلامه ذلك الجمع المحيط به من رجال العائلة، وهم يضحكون بسخرية على كلامه الموجة للنسوة الثائرات.

تزدحم رأسي بالتساؤلات عن الأمر الذي دفع فتاة لتحمل تلك الواقعة والخضوع إلى تلك الأسرة وقوانينها الظالمة، ما الذي كانت ستمر به تلك الفتاة لو لم تسجل الكاميرا الواقعة؟ ما الأمر الذي دفع رجل إلى ضرب امرأة؟ من الذي وضع تلك القسوة في قلبه كي يبطش بغضبه من دون تردد ومراعاة لأي عرف أو دين؟ وما التربية التي تلقاها حتى يفعل ذلك ولا يرى في فعلته عيبًا أو نقصنًا لرجولته الصعيدية التي يؤكد عليها بين كل كلمة ينطقها؟

عروس11.jpg
عروسة الإسماعيلية وزوجها بعد التصالح في لقاء صحافي

هل هذا ما ربته عليه أمه؟ هل هذه قواعد أسرته؟ هكذا يعامل الرجال النساء في أسرته أم أن العادات الاجتماعية تحولت هناك سريعا دون أن ندري؟ أين نساء تلك العائلة من ذلك الأمر؟ لماذا لم نشاهد امرأة في ذلك الجمع في تلك الأسرة تتحدث أو ترفض ما حدث؟ وهل أصبحت المرأة هناك تتعرض للضرب والزجر وترى أن ما يحدث لها أمرًا عاديًا؟!! تقول الفتاة "الضرب عادي" ما الذي دفع فتاة لتتحمل كل هذا البطش فترة تتجاوز عقد من الزمان من رجل لم يتردد في الإساءة إليها أمام المارة قبل أسرته؟!

كثير من الأسئلة التي تصرخ داخل عقلي أحاول أن أجيب عنها، فلا أجد إجابة، فأعود سريعًا إلى التحليلات التي قرأتها عن طبيعة التحولات التي تتعرض لها النساء داخل المجتمعات (المدينة-الريف)، فأرى رجالًا تقليدين يتوارثون رؤية معينة عن المرأة، ويطبقونها بطريقة قاسية وعنيفة، وأرى نساء يحملن إرث الرجل ورؤيته فوق أكتافهن، ويدربن النساء عليها، ويحافظن على هذا الإرث الحزين، لا يوجد تفسير آخر لما فعلته تلك العائلة يمكن أن يوضح ما مروا به، عائلة منغلقة على نفسها ترى في المرأة سلعة تباع وتشترى وتورث وتضرب وتهان وتتعامل مع الأمر بأنه أمر طبيعي لم يحدث شيء، وتبتسم لضربها.


اقرأ أيضًا: مغالطات دينية وعُرفية: كيف يُسرق حق المرأة في مالها؟


كنت أعتقد أن طبيعة المجتمع المنغلق في أطراف مصر هو الذي صنع تلك الحالة، لكن تبين أن هذا الإرث تحمله إحدى المذيعات التي تخبرنا بكل وقاحة أن ما فعلته تلك الفتاة من تقبل للضرب والإهانة هو محافظة على بيتها، وأن "ضل راجل أفضل من ضل حيطة" و"مش معقول العروسة تبوظ فرحتها وحب 13 سنة عشان موقف عارفين تفاصيله". وأن تحملها لهذا الموقف وتلك الإهانة الصارخة جعل منها "بنت أصول" ويبدو أن العريس لديه رصيد كاف من الحب لديها جعلها تسامحه "بلاش نسخن الدنيا وطالما هي راضية وراضي متدخلوش"، هي نفس المذيعة التي خرجت منذ أيام تخبرنا برأيها الشخصي في طلب المال من الرجل وعدم مشاركته في أي شيء؟! منذ متى يخبرنا المذيعون بآرائهم في الحياة والقضايا العامة على شاشة الفضائيات؟ ويخرجون عن دورهم في نقل الحدث والمعلومة وتقديمها للمشاهد بحيادية تامة؟

نحن نتحدث هنا عن نساء تلقين قدرًا جيدًا من التعليم يعينهن على فهم دورهن في الحياة وممارسته بشكل فعلي، لا أن يرين أنفسهن سلعة تباع، وحين تتعرض للضرب تتعامل معه بأنه أمر عادي ولا ضرر منه، وأن الرجل الذي يدفع أكثر في المرأة يستطيع أن يفعل بها ما يشاء! أتساءل: ماذا لو عكسنا الآية وتعرض العريس للضرب على يد عروسته أو أحد من أهلها وسال الدم من وجه وتمزقت بذته. هل سيقف الجمع المحيط صامتًا أم سيدخل لمنع تلك المهزلة من الوقوع وسيقومون بقطع رقبة عروسته التي فعلت ذلك؟!