بنفسج

إيناس حميدة: حلـــم ينتصر بعد أمد

الإثنين 07 نوفمبر

رأت الشمس تدنو من نافذة غرفتها حتى أضاءتها بالكامل، وإلى جانبها فتاة تدعى بنان تحمل مصحفًا قالت لها كلمة (سراج)؛ قد تبدو طلاسم بدأت بها قصتي، لكنه في الحقيقة حلم رأته إيناس بعد تركها للدراسة، وانتقالها إلى بيت الزوجية عن عمر صغير ناهز الستة عشر عامًا متشبثة بآمال وأحلام، وطموح لم تتنازل عنه أبدًا وهو إكمال دراستها الذي كان شرطًا في عقد زواجها. قصة إصرار ملآى بالكثير من التحديات والإنجازات، بدأت برؤية الشمس وانتهت على عرش منصة العلم لتحمل معها أعلى الدرجات العلمية دفعت" بنفسج" للغوص في تفاصيلها.

| قصة إيناس

 
"بعد خمسة عشر عامًا من الانتظار، وفي سن الواحد والثلاثين وجدت نفسي ألح بشدة على زوجي بطلب العودة إلى الدراسة، لكنه رفض كما وافقاه والداي الرفض" قالت إيناس ذلك وقد اغرورقت عيناها بالدموع، كما أوضحت أن رفض زوجها لم يكن تقصيرًا منه، ولكنه خاف عليها من الإخفاق للمرة الثالثة فيصيبها الحزن، أما والداها فكان سبب رفضهما أنها ليست في عمر يسمح لها بالدراسة".
 
لم يفت الرفض من عزم إيناس، كما أن تعلقها بالله وتوكلها عليه جعلها تيقن بأن الله لن يخذلها؛ أدت صلاة الاستخارة فإذا بالرفض يستحيل قبولًا؛ سجدت شكرًا لله وأخذت تردد الآية الكريمة"من توكل على الله فهو حسبه".

هدف كلّف إيناس حميدة الكثير من وقتها وراحتها، فهي لم تكن ذلك الشخص الذي استسلم لرياح الحياة أين تلقيه وماذا فعلت به؟ أرادت أن تكون؛ فأقدمت بكل قوتها علها تصل بسرعة لكنها تعثرت وتأخر الوصول لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.  في بداية حياتها الزوجية محاولتان غير مجديتان خاضتهما إيناس بمساعدة زوجها الذي وقف بجانبها ودعمها، بل كان أيضًا يأتي لها بالمدرسين لتدريسها في البيت؛ في كلتا المرتين التحقت بالصف الحادي عشر الفرع العلمي لتستطيع إكمال الصف الثاني عشر، على أمل التفوق والالتحاق بكلية الطب لتحقق هدفها في أن تكون طبيبة، فأخفقت وأصيبت بالإحباط وقررت التوقف؛ لكنها لم تنس.

تقول إيناس "لقد رأيت نفسي مختلفة عن مجموعة النساء اللواتي لم يكملن تعليمهن الجامعي،  كما وجدت نفسي غريبة بين المتعلمات" هي ليست كمثيلاتها؛ فالغربة التي شعرت بها كانت في كل ثانية تدفعها أكثر باتجاه الهدف المنشود.

"بعد خمسة عشر عامًا من الانتظار، وفي سن الواحد والثلاثين وجدت نفسي ألح بشدة على زوجي بطلب العودة إلى الدراسة، لكنه رفض كما وافقاه والداي الرفض" قالت إيناس ذلك وقد اغرورقت عيناها بالدموع، ويبدو أنها استرجعت شعور القهر الذي شعرت به آنذاك؛ كما أوضحت أن رفض زوجها لم يكن تقصيرًا منه، ولكنه خاف عليها من الإخفاق للمرة الثالثة فيصيبها الحزن، أما والداها فكان سبب رفضهما أنها ليست في عمر يسمح لها بالدراسة، كما أن أولادها وبيتها هم الآن أحق بوقتها.


اقرأ أيضًا: قلم فوق السارية: الروائية الفلسطينية رنين دراغمة


لم يفت الرفض من عزم إيناس، كما أن تعلقها بالله وتوكلها عليه جعلها تيقن بأن الله لن يخذلها؛ أدت صلاة الاستخارة فإذا بالرفض يستحيل قبولًا؛ سجدت شكرًا لله وأخذت تردد الآية الكريمة"من توكل على الله فهو حسبه".

سجلت إيناس لامتحانات الثانوية العامة في شهر يناير 2006، بعدها مباشرة ذهبت لآداء فريضة الحج وبعد العودة كان لزامًا عليها تقديم اختبار قبول لفحص مدى كفاءتها لاجتياز هذه المرحلة بعد الانقطاع الطويل عن الدراسة، كانت فترة مكتظة بالضغوطات ولم يتبق على الاختبارات النهائية بعد نجاحها في امتحان القبول سوى شهرين ونصف.

| صعوبات الطريق

"وجدت نفسي أمام تحد صعب، فأنا لا أفقه من المنهج شيئا، جميع المواد في الفرع الأدبي جديدة علي باستثناء اللغة الإنجليزية التي كدت أنساها"، هكذا شرحت إيناس وضعها الذي لا تحسد عليه لتبدأ رحلة التحدي. لم يكن ذلك التحدي من السهولة بمكان، لكن رغم صعوبته إلا أن ما تملكه إيناس من إصرار كان كافيًا للمضي قدمًا بكل قوة وثبات في طريقها.

بدأت إيناس في البحث عن مجموعات دراسية لتستطيع فهم الدروس ومن ثم المواصلة، تقول "بصعوبة وجدت مجموعات دراسية، ناهيك عن كم الإحراج الذي تعرضت له أمام طالبات أبدو كأمهم، إضافة إلى أن شرط قبولي في المجموعات كان ظالمًا بعض الشيء وهو التزام الصمت والاستماع فقط دون طرح أي سؤال أو حتى النقاش أثناء الدرس لمحاولة فهم ما لم أفهمه، مما أثقل على كاهلي مهمة الدراسة".


اقرأ أيضًا: بيرزيت قلم على حجر: من مذكرات المربية ندى الجيوسي


"كنت أمًا في النهار وطالبة في الليل، لقد جافى النوم عيني، ولو نطقت الكراسي والحيطان لشهدت على كم الدموع التي ذرفتها، ومرت الأيام بمرها ومرارها حتى انتهت الامتحانات". انتظرت إيناس النتيجة بفارغ الصبر، وإذا بيوم النتائج يطرق بابها؛ "شدة التوتر التي أصابتنا يومها جعلت الجميع يبحث عن نتيجتي باسم إيناس العشي، وليس باسمي الرسمي إيناس حميدة، لم تظهر النتيجة وبالتالي ظن الجميع أنني لم أنجح". بعدها ببضع ساعات كانت المفاجأة، دق جرس الهاتف وإذ بصوت يقول "خالتو إيناس مبارك إنت نجحتي بمعدل 86,5%" هنا تجسد معنى الآية الكريمة "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أوأنثى"، في أسمى وأبهى صورة.

| الطريق نحو الدراسات العليا

received_494302709100167.jpeg
الدكتورة إيناس حميدة مع أولادها

انتصرت إيناس وأثبتت للجميع أنها على قدر التحدي، وكان زوجها أبا خالد قد وعدها بتدريسها في الجامعة إن حصلت فقط على 60%، لكن ماذا عن معدل 86,5%؟ بحسب قول إيناس زوجها لم يخلف وعده معها، بل طلب منها اختيار التخصص الذي تريده جزاء لها على تفوقها"، اختيار التخصص بالنسبة لها لم يكن صعبًا فقد هداها الله عز وجل لتخصص أصول الدين ورغم كل الانتقادات التي واجهتها إلا أنها صممت على رأيها، لقد صدقت إيناس الرؤية التي رأتها منذ سنوات " ضياء الشمس والفتاة والمصحف وكلمة سراج"، كلها دلائل واضحة على الطريق التي أرادها الله لها، حيث درست في كلية أصول الدين وتخرجت بمعدل امتياز 92,9%"

ما زالت إيناس تنهل من ينبوع العلم فبعد خمس سنوات من تخرجها، وبالتحديد في عام 2015 قدر الله لها الالتحاق ببرنامج الماجستير في الجامعة الإسلامية، وتخرجت منه في شهر مارس 2018، بعدها لم تتوقف كثيرًا؛ ففي شهر سبتمبر من نفس العام سجلت في برنامج الدكتوراه التي استغرقت رسالتها فيها سنة وشهرين حيث بدأتها من العالم 2018 وانتهت منها في 2022 "كانت من أكثر المراحل إرهاقًا بالنسبة لي، جاءتني فكرتها أثناء الصلاة وكانت بعنوان الإدراك وأثره على السلوك، وكانت من أكثر الرسائل دقة وإحكامًا أشاد بها الحكام وأوصوا بضرورة طباعتها ونشرها".

 أصبحت إيناس دكتورة وحققت حلمها في "أن تكون" وفي الوقت ذاته قدمت أبناء صالحين للمجتمع، كانت مثالًا للقدوة الحسنة دون أن تدري، تعلموا منها الصبر والمثابرة والجد، فقد تخرجت ابنتها ندى من كلية التجارة قسم إدارة الأعمال، أما ابنتها لينا فتخرجت من كلية الآداب تجارة فرعي اللغة الإنجليزية، وتخرج خالد من كلية الهندسة، ومحمد من تخصص تكنولوجيا المعلومات، ومازالت تسنيم تدرس في الجامعة في تخصص تكنولوجيا المعلومات، وأخيرًا ميرة آخر العنقود تدرس في الصف الخامس الابتدائي، جميعهم بلا استثناء ينظرون لأمهم نظرة فخر وتقدير ولسان حالهم يقول شكرًا لك أمي.


اقرأ أيضًا: راية أبو عيشة: "روح" مركز يستنطق لغة الضاد


تقول الدكتورة إيناس حميدة والتي تبلغ من العمر الآن 47 عامًا "أنا لست شخصًا مثاليًا، واجهت صعوبات وتحملت أعباء أبكتني كثيرًا، ولولا توكلي على الله وقربي منه لخارت قواي"، وأكملت "وجود والديّ وزوجي إلى جانبي كان يقويني ويسندني". "لم أدرس للحصول على وظيفة، ولكن لأحقق ذاتي وأفيد المجتمع وأنفع بعلمي من حولي"، "أحب أن أوجه رجاءً لكل ذي سلطة اهتموا بالأكفاء وضعوهم في المكان الذي يستحقونه، فقد ساءني جدًا أن أرى مدرسة اللغة العربية تدرس ابنتي مادة الدين، في حين أن كفاءات في هذا التخصص عاطلين عن العمل".

"لكل أم وزوجة أرادت أن تحقق طموحها إن وجدت في نفسك المقدرة على التوفيق بين هدفك وأسرتك، استمري، وإلا فلا يكن تحقيق هدفك على حساب حياتك الأسرية، فهي الأهم". ختامًا، لم تكن قصة إيناس الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكنها نموذج اجتمعت فيه كل مقومات النجاح.