بنفسج

صعوبات التعلم عند الأطفال: التشخيص وطرق التعامل الأمثل

الأربعاء 14 ديسمبر

صعوبات التعلم عند الأطفال: التشخيص وطرق التعامل الأمثل
صعوبات التعلم عند الأطفال: التشخيص وطرق التعامل الأمثل

في الآونة الأخيرة صار من اللافت للنظر عدد أولياء الأمور الذين يتحدثون عن وجود مشكلة تعليمية لدى أطفالهم تحت عنوان صعوبات التعلم عند الأطفال، وعلى الرغم من وجود عدد غير قليل من الناس لديهم بالفعل ما يمكن أن يسمى صعوبات تعلم، وفق التوصيف العلمي.

 إلا أنه من الضروري معرفة معنى صعوبات التعلم عند الأطفال، وتوصيفها الدقيق علميًا ومعرفة كيفية اكتشافها والتعامل معها وفق الأسس العلمية المتعارف عليها، وعدم جعلها تفسيرًا وحيدًا لكل حالات الضعف الأكاديمي، وضعف التحصيل الدراسي الذي تتعدد حالاته وتتنوع باختلاف البيئات والظروف الموضوعية.

كيف أعرف أن طفلي يعاني من صعوبات التعلم؟

صعوبات التعلم عند الأطفال
 
لا بد أن ندرك بدايةً أن صعوبات التعلم عند الأطفال _التي ستكون مدار حديثنا هنا_ والمتعارف عليها في الميدان العلمي تعود لأسباب وراثية و/ أو بيولوجية عصبية تعمل على تغيير أداء الدماغ.
 
وذلك بطريقة تؤثر على واحدة أو أكثر من العمليات المعرفية المرتبطة بالتعلم، التي قد تظهر _مدرسيًا_ من خلال ضعف معين، أو مشكلات محددة في مجال القراءة والكتابة والرياضيات.
 

ولا بد أن ندرك بدايةً أن صعوبات التعلم عند الأطفال _التي ستكون مدار حديثنا هنا_ والمتعارف عليها في الميدان العلمي تعود لأسباب وراثية و/ أو بيولوجية عصبية تعمل على تغيير أداء الدماغ، بطريقة تؤثر على واحدة أو أكثر من العمليات المعرفية المرتبطة بالتعلم، التي قد تظهر _مدرسيًا_ من خلال ضعف معين، أو مشكلات محددة في مجال القراءة والكتابة والرياضيات

كما يمكن أن تظهر ضمن مستويات أخرى مختلفة، مثل مشاكل في التنظيم وتخطيط الوقت والتفكير المجرد والذاكرة طويلة أو قصيرة المدى والانتباه. ومن المهم أن ندرك أيضًا أن صعوبات التعلم يمكن أن تؤثر في حياة الأفراد خارج نطاق التعليم الأكاديمي، وصولًا إلى مساحات أعمق، مثل العلاقات بالعائلة والأصدقاء ومكان العمل، ولهذا كان لا بد من اكتشافها مبكرًا وإحسان التعامل معها.

ومن الجدير ذكره هنا أيضًا أن ضعف التحصيل الدراسي للطالب، أو تدني علاماته في المدرسة لا يعبِّر بالضرورة عن وجود صعوبات تعلم دائمًا، وإنما قد يعود لأسباب موضوعية مختلفة، مثل تدني معدل الذكاء الذي يعود لأسباب مختلفة منها الوراثي، وقد يكون ذلك بسبب إهمال الطالب أو عدم انسجامه مع المحيط التعليمي، أو بسبب رداءة التعليم نفسه الذي يتلقاه الطالب، بحيث لا يجذبه، أو لا يجد فيه ما يلبي حاجاته وطموحاته، وقد يكون بسبب إعاقة سمعية بصرية أو صحية أو نفسية.


اقرأ أيضًا: "ابني لا يجيد القراءة والكتابة ": أين الخلل وما الحل؟


وبما أن المدرسة هي الميدان الأساسي الذي يخوض الطالب فيها تجربة التعامل مع العمليات المعرفية المختلفة بشكل واضح في مجتمعاتنا، فإنها المكان الذي يتم فيه ملاحظة ضعف محدد في مجال القراءة أو الكتابة أو الرياضيات ما قد يشير إلى وجود صعوبات تعلم، يجب تشخيصها بطريقة صحيحة من أجل تعامل صحي وصحيح معها.

والواقع أن عددًا غير قليل من الناس الذين تبدأ معهم مشاكل أكاديمية، ولاحقًا مشاكلهم في العمل والأسرة والعلاقات العامة، بسبب عدم اكتشاف وجود حالة صعوبة التعلم لديهم التي يؤدي اكتشافها مبكرًا إلى حل نصف المشكلة، من خلال تشخيصها وإدراك كيفية التعامل الأمثل معها حتى لا تشكل عائقا في حياة هذا الإنسان.

أعراض صعوبات التعلم عند الأطفال

صعوبات التعلم عند الأطفال
أبرز صعوبات التعلم عند الأطفال

ولا بد من التأكيد مبدئيًا أن الأشخاص من فئة صعوبات التعلم يصنفون ضمن مستويات الذكاء المتوسط أو أعلى من المتوسط، وبالتالي فإن أهم ما يميز هؤلاء الأشخاص، ويكشف واقعهم هو الفجوة التي تظهر بين ما هو متوقع منهم وما هو قائم بالفعل في تحصيلهم الأكاديمي بشكل أساسي، فصعوبات التعلم عند الأطفال تعتبر واحدة من (الإعاقات الخفية)، والتي يَظهر صاحبها بقدرات ذكاء جيدة إلا أنه لا يستطيع تحقيق ما هو متوقع منه في مجال المهارات كالقراءة والكتابة والرياضيات.

ومن المهم أن ندرك بناء على تعريفنا لصعوبات التعلم، الذي أشرنا إليه أنه لا يمكن علاج أو إصلاح مشكلة المصنف ضمن صعوبات التعلم، ولذلك توصف هذه المسألة بأنها تحدٍ دائم، ومع ذلك وباكتشاف الحالة وتشخيصها بشكل صحيح، فإن الشخص سيكون قادرًا على تحقيق نجاح في المجال الأكاديمي والعلاقات والعمل ضمن حدود مقبولة في حال تم استيعابه، والتعامل معه وفق آليات صحيحة، إضافة إلى أن تشخيص المشكلة يخلق فرصة لتفهم هذه الحالة وحسن التعامل معها ضمن قدراتها الخاصة.

وفي الواقع فإن صعوبات التعلم عند الأطفال مصطلح شامل يصف عددًا من صعوبات التعلم المندرجة، والتي تكون أكثر تحديدًا مثل: عسر القراءة، عسر الكتابة، عسر الحساب، صعوبات تعلم غير لفظية كعدم المقدرة على فهم تعبيرات الوجه، اضطرابات اللغة الشفهية/ المكتوبة، من حيث عدم القدرة على التعبير عن النفس بطريقة صحيحة شفهيًا أو كتابيًا، ونقص الفهم القرائي المحدد للنصوص. وكما نرى فإن كل واحدة من هذه القدرات تحتاج إلى تشخيص محدد ضمن مستويات مختلفة مرتبطة بتفاصيل موضوعية لكل حالة.


اقرأ أيضًا: المهارات اللغوية للطفل الدارج اكتساب بالتعلم


ويمكن أن نكتشف صعوبة التعلم من خلال عدة مراحل، أول هذه الخطوات ملاحظة الطفل والانتباه لقدراته العقلية والعضلية وتناسقها منذ الطفولة المبكرة، مقارنة بالمتوقع من أقرانه، عند دخوله المدرسة من المهم في وقت مبكر كذلك، مراقبة أدائه ضمن المتوقع منه بين أقرانه ومن المهم متابعة المعلم/ ة في هذه المرحلة للوقوف على أية ملاحظات يمكن أن تفي.

إن كان الطالب يؤدي ما هو متوقع منه في المرحلة العمرية، أم أن هناك مستوى أقل من المتوقع في ميدان القراءة والكتابة والرياضيات، والمهارات المتعلقة بالتذكر والتفكير والتعبير عن النفس والتنظيم. وتعتبر الصفوف الأولى مهمة جدًا والملاحظة فيها يجب أن تكون واعية جدًا لتحديد مستوى الطفل وقدراته ومقدار تطوره، كما أنه من الجميل أن تتابع الأم ضمن ملف مكتوب تطور طفلها وتدرُّجه في مراحله المختلفة كتابيًا وقرائيًا وفي الرياضيات لتقارن الخط التصاعدي لطفلها ضمن بيانات واضحة أمامها.

تشخيص صعوبات التعلم

صعوبات التعلم عند الأطفال
علاج صعوبات التعلم عند الأطفال

في حال اكتشاف حالة ضعف وأداء أقل من المتوقع بكثير من هذا الطفل في مجال القراءة والكتابة والرياضيات، فإنه من المهم مبدئيًا استبعاد خيار المشكلات الطبية التي تؤثر في تلقي الطالب، كضعف السمع أو البصر أو اضطرابات نفسية أو أمراض صحية أو نقص محدد في الفيتامينات، وهذا يحتاج بالتأكيد إلى متابعة طبية وفحوصات متعددة لاستبعاد هذا الخيار، إضافة إلى مسألة النوم والرياضة والتغذية، والتي قد تؤثر سلبًا على صحته وتعامله مع متطلبات التعلم، كالتركيز والانتباه والانضباط وغيرها.

لاحقًا وبعد أن يتم التأكد من عدم وجود مشكلة محددة فيما سبق فإن الكشف عن صعوبة التعلم عند الأطفال، وتحديد نوعها وضبطها سيتم عن طريق متخصص من خلال إجراء اختبارات متعددة تكشف عن مستوى الضعف وطبيعته، وبالتالي تشخيصه واقتراح خطة العلاج له. وتوفر التربية والتعليم خلال السنوات الأخيرة مختصين في المدارس ضمن ما يسمى (غرف المصادر)، والذين  أُهّلوا لإجراء اختبارات سمعية بصرية حركية تكشف بشكل محدد عن مستوى الحالة واضطراب التعلم الخاص بها.

في حال التأكد عبر مختص من وجود اضطراب محدد وتسميته بشكل واضح، فإن نصف المشكلة يكون قد حُلّ، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التعامل الأمثل ضمن استراتيجية التقبل والتأقلم مع الحالة من الشخص نفسه أولًا ثم المحيطين به، ومساعدته من أجل تجاوز عقبة صعوبات التعلم ضمن المجتمع.

في حال التأكد عبر مختص من وجود اضطراب محدد وتسميته بشكل واضح، فإن نصف المشكلة يكون قد حُلّ، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التعامل الأمثل ضمن استراتيجية التقبل والتأقلم مع الحالة من الشخص نفسه أولًا ثم المحيطين به، ومساعدته من أجل تجاوز عقبة صعوبات التعلم ضمن المجتمع.

 وبإدراك الحالة وإطلاع المعنيين عليها وتفهمهم لحالة الطفل، سيكون من السهل تكيف الجميع مع قدرات الطفل ومطالبته بواجبات ضمن حدود إمكانياته وعدم إهماله، أو خلق حالة من التوتر النفسي الدائم له لعدم قدرته اللحاق بأقرانه أو مجاراتهم في مجال المهارات الأساسية.


اقرأ أيضًا: العالِم الصغير: لنعلم أطفالنا مهارات التعلم أولًا


وستكون مسألة التأقلم والتقبل هي أهم مرحلة ينتقل بعدها الطفل لآليات مختلفة لمساعدته أهمها المساعدة الفردية ،من خلال المتخصصين الذي يحتاجون لأساليب متنوعة، وتعزيز مستمر، ووقت أطول من أجل مساعدة هذا الطفل على تجاوز عقباته الخاصة التي لن يستطيع بالتأكيد التخلص منها، ولكنه سيستطيع أن يتقبلها ويتجاوزها ضمن حدود إمكانياته وصولًا إلى ربطه، بمهارات يستطيع أن يتعلمها ويتفاعل معها بشكل أفضل من غيرها مع مرور الوقت.

وبذلك ومن خلال اكتشاف المشكلة وإحسان التعامل معها، فإننا يمكن أن ننمي قدراتنا الخاصة كآباء وأمهات، ومن خلال الاستفادة مما تقدمه المؤسسات الحكومية كالمدارس التي تحتوي غرف مصادر خاصة بمتابعة الحالات من صعوبات التعلم عند الأطفال، أو من خلال التعامل الشخصي عبر متخصصين مؤهلين لمتابعة حالة الطفل.

وبذلك فإننا نكون قد وفِّقنا إلى أمثل طريقة للتعامل مع الطفل لينشأ بشكل طبيعي، وبدون مؤثرات سلبية وبدون حالة تنمر من أقرانه أو معلميه، وليستمر بالتفاعل مع تجربة التعلم الخاصة به، ضمن حدود إمكانياته وقدراته الخاصة التي وهبها الله تعالى له.