بنفسج

سونيا حموري ما كان لله دام واتصل

الإثنين 24 يوليو

عن علم وسبق إصرار حملت أمانة تبليغ دينها، وبكامل الإخلاص والحب، وباسم العطاء تجدها سباقة في كل ندوة أو محاضرة تزكي بها علمها، وتوفي وعدها مع الله أن تبلغ ما تحمل في المعرفة والعلم حتى آخر لحظة في عمرها، تمامًا كما عهدها مع ذاتها بأن تحقق أحلامها، وألا تكف عن طرق أبواب العلم، ليس لمرتبة أو منصب إنما حتى تكون أهلًا لحمل الرسالة التي يتعين على كل مسلم يقف على ثغر من ثغور الإسلام أن يحملها ويؤديها تمام الأداء.

"سونيا حموري" ابنة الخليل

 
بدأت الأستاذة حموري مشوارها الجامعي في مرحلة البكالوريس من الأردن، حيث درست في الجامعة الأردنية تخصص أصول دين في كلية الشريعة، رغم أنها تخرجت في الثانوية العامة من الفرع العلمي بتفوق. تقول: "كنت طالبة في الفرع العلمي الذي يتوجب على الملتحقين به أن يدرسوا الهندسة أو الطب خصوصًا إذا كانوا متفوقين، لكن بالنسبة لي كنت دائمًا أريد دراسة أي شيء يتعلق بالدين والقرآن الكريم، ومن هنا جاءت دراستي للشريعة، وكان هذا قراري في سن مبكرة، فاتخذت هذا القرار في الصف السابع".
 
 

حوار بنفسج اليوم مع الأستاذة سونيا سيف الدين حموري ابنة خليل الرحمن، المدينة التي لطالما كانت ولادة بالنساء اللواتي كن ومازلن مثالًا يحتذى به. تنتمي السيدة سونيا وتبلغ من العمر 53 ربيعًا عامرًا بالعطاء، لعائلة ذات نسب عريق في الخليل، وفي العشرينيات من عمرها تزوجت من الدكتور الجامعي زين الدين عواودة، مبديةَ كامل الفخر أنها أصبحت جزءَا من عائلته التي تجذرت في قرية دورا قضاء الخليل، وأنجبت منه 3 بنات وذكرين.

بدأت الأستاذة حموري مشوارها الجامعي في مرحلة البكالوريس من الأردن، حيث درست في الجامعة الأردنية تخصص أصول دين في كلية الشريعة، رغم أنها تخرجت في الثانوية العامة من الفرع العلمي بتفوق. تقول: "كنت طالبة في الفرع العلمي الذي يتوجب على الملتحقين به أن يدرسوا الهندسة أو الطب خصوصًا إذا كانوا متفوقين، لكن بالنسبة لي كنت دائمًا أريد دراسة أي شيء يتعلق بالدين والقرآن الكريم، ومن هنا جاءت دراستي للشريعة، وكان هذا قراري في سن مبكرة، فاتخذت هذا القرار في الصف السابع".

لم يكن حبها لدينها فقط هو ما دافعها لذلك، بل كانت ترى دومًا أن مدينة الخليل بحاجة لمن يدرس الشريعة، ويحملها ويمثلها خير تمثيل، فأخذت على عاتقها هذه المهمة، وعملت بعد تخرجها في سلك التعليم مباشرة، فدرّست التربية الإسلامية لمدة 8 سنوات. تركت ابنة الخليل العمل بعد 8 سنوات بعد زواجها وإنجابها للأبناء، حيث شعرت أن أبناءها بحاجة لها، وأن العمل بدأ يأخذ من وقتها الكثير على حساب بيتها وأسرتها، ولقناعته أن البيت والأبناء يجب أن يولي لهم الشخص الاهتمام قبل أي شيء.


اقرأ أيضًا: د. مريم صالح: بعض من حياة العلم والعطاء


كانت حموري تحاول الالتحاق دائمًا بالدورات التي تساعدها وتشبع ميولها وتطلعاتها، مثل دورة تصنيف المكتبات ودبلوم المكتبات، وجاء ذلك من عشقها للكتب واهتمامها بكل ما يخص المكتبات، فقد اهتمت بمعرفة الطريقة التي تدار فيها المكتبات والعمل المؤسسي للمكتبة باعتبارها جزءًا مهمًا من العمل التربوي العام، انطلاقًا من مبدأ أن العمل لا يجلب المال فقط، ولكن هو كل ما يؤدي لمنفعة للذات وللغير، ليس بقيمته المادية إنما المعنوية والاجتماعية وهي الأهم.

رحلة العلم والتعلم

IMG-20230719-WA0002.jpg
السيدة سونيا الحموري مع عائلتها

أما عن التوفيق بين العمل والمنزل فوصفت الأستاذة حموري علاقة العمل والمنزل إضافة لما ذكرته سابقًا: "العمل والمجتمع والأسرة هي علاقة متداخلة ومترابطة، ولكن مع ترتيب الأولويات ولتقريب الصورة أمثل هذه الجوانب بدوائر مترابطة يدخل كل منها بالآخر تبدأ بالأسرة وتتسع وصولًا للمجتمع وخدمته الذي نواته الأسرة، وبسبب الوقت لا شك أحيانا أن نقصر في جانب من الجوانب، ولكن نعود لترتيب الحياة مرة أخرى".

وترى حموري أن عمل المرأة خارج المنزل مهم للغاية لما له من انعكاس إيجابي عليها وعلى شخصيتها، فلقد انخرطت في العمل الاجتماعي والتطوعي في مجالات عدة من ندوات ودورات ومحاضرات، وكانت حريصة أن تظل على اتصال بهذا الجانب لما له من نفع على أسرتها.

التحقت حموري بالتعليم العالي بعد سنوات؛ فدرست في كلية الدراسات العليا ماجستير أساليب تربية إسلامية في جامعة أبو ديس، وكانت بالنسبة لها مرحلة رائعة، كما وصفت: "كانت مرحلة ذات زخم معرفي كبير لي وعادت علي بالمنفعة العلمية والأكاديمية والمعرفية وحبي للعلم في تلك الفترة كما كنت دومًا، ساعدني في التخرج من هذه المرحلة وأنا أحمل لقب الأولى على كافة طلاب الماجستير وتخصصاته في تلك الفترة".

وتناولت أطروحتها في الماجستير مادة التربية الإسلامية، وبالتحديد عن الفرع الشرعي في الثانوية العامة الذي كان قد بدأ تدريسها حديثًا، وكان الناس لا يعلمون الكثير عنه، فأحبت أن تكون هي أول من يقيم المنهاج الشرعي. كانت رسالتها خلال الماجستير قوية جدًا بشهادة المشرفين؛ إذ أجمعوا أنها تستحق عليها شهادة الدكتوراه؛ حيث استطاعت خلالها تحليل المنهاج بشكل كامل، ما أسهم في زيادة معرفة الطلاب والمدرسين بالمادة كيفية دراستها وتدريسها.

بعد تخرجها حاملة درجة الماجستير عادت السيدة سونيا للعمل الرسمي إلى جانب التطوعي الذي لم تتركه يومًا، حيث بدأت بإعطاء محاضرات لمادتي الثقافة الإسلامية والإسلام وقضايا العصر، في كلية الدعوة في جامعة أبو ديس ضمن دوام جزئي.

الماجستير للمرة الثانية

______-______-____________-8.jpg
السيدة سونيا الحموري مع طلابها

شغفت حموري بالعلم وتخصصاته المختلفة؛ فأثناء عملها وبعد فراغها من الماجستير الأول التحقت ببرنامج آخر للماجستير في ذات الجامعة، بتخصص الإرشاد التربوي وعلم النفس، رغبة منها أن تكون دراستها في الدكتوراه بتخصص للقياس والتقويم، وهو تخصص مرتبط بعلم الاجتماع والتربية، واستطاعت إنجازه خلال فترة قصيرة لتقاطعه مع مواد من التخصص الأول للماجستير.

كانت حموري تولي اهتمامًا خاصة بالتخصصات الإنسانية؛ إذ ترى أنها مهمة جدا بالرغم من أن كثير من الناس تغفل عنها وعن قيمتها، مشددة على ضرورة أن يلتحق بها ذوو العقول الراجحة والمتفوقين، وأن لا تكون التخصصات التي يلتحق بها الطلبة لتدني معدلاتهم أو انحسار التخصصات المتاحة أمامهم، ما دفعها لتبدأ بنفسها وتشجع أبناءها عليها عند دخولهم للجامعة.


اقرأ أيضًا: في بيرزيت: وجوه نسائية في مجلس الطلبة


تطرقت حموري خلال تخصصات الماجستير لموضوع حساس ومهم في التربية والمجتمع فتضيف: " كان موضوع أطروحتي أيضًا جديد ًاعلى مستوى فلسطين، على الأقل في حينها، وكان يدور حول الرعاية الأبوية، فنجد في مناهجنا وكتبنا المدرسية في باب التربية دومًا هناك خطاب للأم مع مخاطبة الأب بشكل طفيف، على الرغم من أن له دور مركزي موازي للأم في تربية الأبناء".

وقد ركزت، خلال رسالتها، على دور الأب في حياة الأبناء وتربيتهم وعلاقتهم بهم خصوصًا في فترة المراهقة، من خلال استبانتين إحداهما موجه للآباء ودورهم في حياة أبنائهم المراهقين، والأخرى موجه للأبناء المراهقين حول دور الآباء في حياتهم وقيمة هذا الدور.

وتتابع: "أذكر أنه في بعض المقابلات التي أجريتها مع بعض الآباء، كانوا يقولون لي هذه ليست استبانة، بل درسًا تربويًا ودينيًا وصل لنا عن طريق الأسئلة وطرق آذاننا".

المدرسة اليوسفية .. تعليم من نوع فريد

IMG-20230719-WA0001.jpg
السيدة سونيا الحموري

كانت السيدة سونيا في الأربعينيات من عمرها عندما اقتادها الاحتلال للسجن تاركة خلفها أبناءها وبيتها وأسرتها ومجتمعًا كاملًا لطالما استفاد من علمها. وجاء ذلك فترة انهماكها بالبحث والعمل ليعرقل مسيرها، حيث اعتقلتها قوات الاحتلال لـ10 أشهر، وهذا ما جعلها تفقد كثيرًا من رغبتها وشغفها في إكمال دراستها، ليس لفتور همتها أو عزيمتها، إنما لأنها شعرت بأن انقطاعها زمنيًا بشكل كبير عن أمر ما سيشتتها.

دخلت حموري غرفة السجن لتجد ما هو أصعب عليها مما تركته خلفها، فتقول: "أقسى شيء عشته بالسجن أن أكون في سجن رفيقة لفتيات بعمر بناتي في غالبيتهن، شعرت بشعور أمهاتهن، أراهن أمامي وأتخيل بناتي ولا أحتمل التخيل، فهن يعشن أحوال وظروف لا يمكن أن تعيشها بنت في عمر الزهور ولا يحتملها رجال، لذلك كما كان وجودي معهن صعبًا جدًا على نفسي، كان تركي لهن خلفي عند تحرري أشق وأصعب".

كان لتجربة السجن دور كبير على نفس سونيا الحموري، فقد وصفتها بالمدرسة اليوسفية كناية عن قصة سيدنا يوسف مع السجن، وتعلمه الصبر، وكان لها دور في شحن همتها وزاد من شجاعتها وقوتها فتردف: "لم يكن السجن رادعًا أو داعيًا للخوف لي، فلم أشعر أني صرت أضعف أو أكثر هشاشة بعده، بل صرت أقوى وأكثر إقدامًا نحو كل ما كنت أخاف منه يومًا في خدمة مجتمعي وحمل ديني وتمثيله خير تمثيل".


اقرأ أيضًا: مها شحادة: أصالة التفكر في الاختيار والدور الرسالي


خرجت بطلة قصتنا من السجن بعد 10 أشهر، كانت تشعر حينها بالتيه كيف ستبدأ من جديد؟ ولكن كان للقدر كلمته، فخلال مشاهدتها برنامجًا تلفزيونيًا رمضانيًا، كان يتحدث عن قضايا الأسرة والمرأة والمجتمع، ليتناول في إحدى حلقاته أبرز أسباب الشذوذ والإلحاد في العالم، وهو غياب دور الأب في الأسرة والتربية.

حركت الحلقة التلفزيونية بداخلها دوافعها السابقة لطلب العلم، لا سيما أنها مهتمة بتلك التخصصات، وتعي أهمية ما يعود منها على المجتمع، فعادت حموري لدراستها عاقدة النية بأن تنفع دينها وأسرتها ومجتمعها من ذلك.

على قدر الأخذ يكون العطاء

تسير السيدة سونيا في حياتها على مبدأ "أحب لأخيك ما تحب لنفسك"، فهي كما تحب أن تأخذ العلم بشكل كامل ووافٍ، تحب أن تعطيه للناس بالمثل، وبذات الدرجة من الإخلاص والتفاني، فتقول: "لا أبخل بحرف درسته على من يطلبه ويحتاجه، ودائمًا ما أبادر لأي ندوة أعرض فيها ما تعلمت لأنفع غيري ما استطعت إلى ذلك سبيلًا".

لم تنته رحلة ابنة الخليل في العلم؛ فستظل تسعى لإكمال دراستها العليا حتى لو كان آخر يوم في حياتها بمجرد أن تتيسر السبل المناسبة وتدعو الله دومًا: " اللهم اجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليق للشر"، وتحاول ساعية للعمل بما تدعو به راجية من الله التوفيق.

منذ ريعان شبابها إلى اليوم لم تتوقف ابنة الخليل يومًا عن منح الحب والعلم لكل صغير وكبير، من خلال ندوة أو محاضرة أو مشاريع عامة أو خاصة تحققها هي بنفسها، وأحدها مشروع "تعلم مع تاتا"، فالجدة سونيا كان قلبها يتسع لأكثر من الأبناء والأحفاد، فهي تحب الأطفال جميعًا وبشكل كبير دون استثناء.

وتحرص أيضًا باعتبارها جدة على أن تزرع في نفوسهم الفائدة كيفما استطاعت لذلك سبيلًا، فقد استهدفت في مشروع "تعلم مع تاتا" الأطفال، لتلقينهم العلم بالأساليب التي تتناسب مع أعمارها، إيمانا منها بأهمية الحفاظ عليهم، فهم "كمثل البذرة الصغيرة التي إن لم تحسن غرسها كانت شجرة فاسدة أو بلا فائدة".

تسير السيدة سونيا في حياتها على مبدأ "أحب لأخيك ما تحب لنفسك"، فهي كما تحب أن تأخذ العلم بشكل كامل ووافٍ، تحب أن تعطيه للناس بالمثل، وبذات الدرجة من الإخلاص والتفاني، فتقول: "لا أبخل بحرف درسته على من يطلبه ويحتاجه، ودائمًا ما أبادر لأي ندوة أعرض فيها ما تعلمت لأنفع غيري ما استطعت إلى ذلك سبيلًا".

لم تنته رحلة ابنة الخليل في العلم؛ فستظل تسعى لإكمال دراستها العليا حتى لو كان آخر يوم في حياتها بمجرد أن تتيسر السبل المناسبة وتدعو الله دومًا: " اللهم اجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليق للشر"، وتحاول ساعية للعمل بما تدعو به راجية من الله التوفيق.