بنفسج

حياتي... في أمومتي والركض وراء حلمي

السبت 13 يونيو

قبل أن أشارككم تجربتي بكامل تفاصيلها، دعوني أهمس لكم سرًا: "ليس في هذا الطريق شيء سعيد إلا النتيجة"!

 اسمي فاطمة باجس، أبلغ من العمر 35عامًا، أم لثلاثة أطفال، مصطفى 12 عامًا، زينب 9 سنوات، وإبراهيم 6 سنوات، زوجة وطالبة دكتوراة، في تخصص أدرس فيه الخلل الذي يحدث للبروتينات المسببة للأمراض العصبية في جسم الإنسان، مغتربة ومسؤولة عن كل صغيرة وكبيرة تخص عائلتي، ابتداء من مشاكل الأطفال ونزاعهم المتعب، إلى مشاكل المدرسة، صعودًا إلى تأمين احتياجات البيت بكل متطلباته والإشراف على الميزانية العامة للبيت نظرًا لعمل زوجي خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد سنحت لي فرصة وجودي في الولايات المتحدة الأمريكية أن أكمل طريقي في مشوار العلم الذي بدأت في إكماله قبلًا في جامعة بيرزيت – قسم الكمياء سنة 2008، ونظرًا لظروفي التي ذكرت سابقًا، كان اتخاذ القرار بالنسبة لي صعبًا وسبب لي الكثير من التوتر والإرهاق لفترة ليست بالقليلة، ما بين ترددي الشديد لإكمال الطريق ومندفعة لفرصة ذهبية حصلت عليها بقدرة قادر لإكمال الدكتوراة بمنحة مدفوعة من دائرة الدراسات الحيوية التكاملية – قسم الكيمياء في جامعة إيست كارولينا – ولاية نورث كارولينا - والتي طالما حلمت بتحصيلها، مشيت نحو الهدف بأقدام مرتعشة.

كانت ملايين الأفكار تتضارب في رأسي: كيف سأوفق بين متطلبات دراستي وعملي ومتطلبات أولادي؟ كيف سأوازن بين اندفاعي وشرهي لتحصيل كل ما أريد تحصيله مع عدم الإخلال بعلاقتي مع أطفالي؟ لطالما اعتبرت أن أطفالي هم حرفيًا مشروع شبابي وحياتي الذي أستثمر فيه الكثير من وقتي والكثير من جهدي، لذا، لم أكن لأغامر بخسارته مقابل أي ثمن أو أي حلم، فكان لا بد لي أن أحرص على عدم الضرر بهذا المشروع، مما أضاف إلى عبئي عبئًا إضافيًا.

نظرة الاحترام التي يكنها الناس للأم التي تكمل تعلميها تفوق التصور، يشعرونك أنك تنجزين شيئًا خارقًا للطبيعة! الدعم المعنوي للأم التي تكمل دراستها هنا يدفع كل أم ترغب في المتابعة دفعًا أن تصل أعلى قمم الحلم التي ترغب في وصولها. تشجعت، اتخذت القرار بلحاق قطار الحلم، وهكذا ابتدأ التحدي!

إضافة إلى كل ما سبق، وضع المسلمات في أمريكا مخيف! حجابي لوحده تهمة، وكنت جاهلة لطبيعة المجتمع الذي أعيش فيه. أقطن في قرية صغيرة اسمها غرينفيل في ولاية نورث كارولينا. كنت أترقب كلما قررت الخروج إلى السوق، أو إلى أي مكان عام، ولكن سرعان ما هدأت مخاوفي عندما انخرطت بالمجتمع أكثر. الناس هنا جميلون بطبعهم، ولم أصادف إلى الآن مظهرًا عنصريًا واحدًأ!

نظرة الاحترام التي يكنها الناس للأم التي تكمل تعلميها تفوق التصور، يشعرونك أنك تنجزين شيئًا خارقًا للطبيعة! الدعم المعنوي للأم التي تكمل دراستها هنا يدفع كل أم ترغب في المتابعة دفعًا أن تصل أعلى قمم الحلم التي ترغب في وصولها. تشجعت، اتخذت القرار بلحاق قطار الحلم، وهكذا ابتدأ التحدي! ما بين أمومتي والركض نحو حلمي الكبير، ملايين التفاصيل التي لا يجوز الخلل بإحداها. الاستيقاظ باكرًا قبل الرابعة فجرًا، وفي حال كان هناك اختبار أو مشروع للتسليم، الاستيقاظ يكون قبل ذلك بكثير.

تحضير حقائب الطعام للأطفال، ذلك أن أطفالي لا يأكلون أكل المطاعم المليء بالمقالي غالبًا. إيقاظهم وتحمل كل المعاناة التي ترافق ذلك، تحضير الإفطار، ومساعدتهم في اللباس إلى إخراج أصغرهم إلى باص المدرسة، كل ذلك يتم قبل السابعة، يلحق ذلك ترتيب الفوضى التي حدثت في المطبخ، ومن ثم تجهيز نفسي لإيصال ابني الأكبر إلى مدرسته والذهاب إلى الجامعة قبل الساعة الثامنة إلا ربع، إذا أنني لست طالبة فقط، بل مساعد بحث وتدريس، وهكذا حتى أعود إلى البيت وآخذ أطفالي بحدود الساعة الخامسة من مساء كل يوم.

لتبدأ رحلة أخرى إلى الساعة الثامنة من قضاء وقت نوعي مع الأطفال حتى لا أجعلهم يشعرون بغيابي كل ذلك الوقت، من تحضير للعشاء وتدريس، وسماع قصصهم التي لا تنتهي ووضعهم في أسرتهم لينتهي يومي بحدود الثامنة، وتبدأ الكرة مرة أخرى في اليوم التالي.

درب العلم مليء بالتعب وقلة الشكوى لمن أرادت أن تسخّر قدراتها لتعبيد الطريق نحو العلا، أصدققكم القول أن حل للكثير الكثير من المشاكل المجتمعية العالقة، هي بتمكين النساء وتسهيل طريقهن لتحصيل العلم! المعادلة سهلة للغاية: امرأة متعلمة مثقفة واعية لحقوقها التي شرعت من رب العباد، وسلبت بألسنة الفقهاء يعني شيئًا واحدًا: جيل من الرجال والنساء يتكاملون لصنع حياة نوعية أفضل يعرف كل منهم حقوقه وواجباته، فتتحقق غاية الله التي خلق البشر من أجلها وهي عمارة الأرض وتعميرها.

المرأة في موقع القوة في بيتها وموقع القرار في المجتمع، يعني بالتأكيد بناء لوعي مجتمعي أفضل، هذا بالضبط ما أسعى إليه، أنا أعمل بكل طاقتي واجتهادي في بيتي، وبالمقابل، أعمل أن لتحقيق مكان في المجتمع، أستطيع من خلاله التغيير. تلك بصمتي ورؤيتي للتغيير في المجتمع الذي أنظر إليه. التمكن من الوصول إلى مواقع تمكنني من تطويع مع تعلمته في البناء ورفع سقف التوقعات التي نريدها من جيل كامل من الفتيات اللواتي امتلكن كل ما يؤهلهن، ولكنهن يحتجن إلى الدعم والمساعدة في شق الطريق!

نساء متعلمات مثقفات واعيات لحقوقهن وواجباتهن يعني أجيالًا كاملة من العقول الواعية التي تتخذ المنهج الصحيح في التقييم والتفكير، يعني ذلك أُسر كاملة تُبنى على أسس سليمة لا نرى فيها مكانًا لتوافه الأمور وصغائرها، يعني ذلك أزواجًا متحابين متفاهمين أكثر ومشاكل أسريه أقل.

إذن، فإن تحقيقي لحلمي يعني أنني بإذن الله سأكون أمًا ذات عقل أكبر، يستوعب مدخلات الحياة أكثر وسأعكس ذلك أولًا على أسرتي وأولادي ليكونوا خير أزواج وآباء، وابنتي لتكون خير أم وزوجة وقائدة تكمل مسيرة البناء التي نحتاجها في هذا الوقت وهذا الزمن!