بنفسج

أن تركضي بحثًا عن قلبك

الخميس 13 مايو

في غزة! من الشائع وصف شعورك لحظة القصف حين يهوي على أرضها بأنه "يكاد قلبك ينخلع من مكانه"، وهو أمرٌ هيّن في حال كان قلبك موجودًا في مكانه أصلًا! لأنه ما تلبث أن تنقشع غيمة الطائرات الحربية، حتى يهدأ ويستقر في مكانه من جديد، أما بالنسبة لنا نحن الأمهات، فقد تركت قلوبنا مكانها منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل الأول، لتستقر كاملة في هيئة هذا البشري الصغير، أو موزعة على عدد أكبر من هذه الكائنات حسب عدد الأبناء.

| في أن تكوني أمًا

لحظة القصف، ينتفض كل الناس من أماكنهم ويهرعون مبتعدين عن دائرة الخطر، وتنتفض الأمهات إلى الداخل بحثًا عن أبنائها ليتأكدن من سلامتهم، أو يضمننها وهن يحملنهم مبتعدات. لحظة القصف، قبل أن تفكر الأم في المسافة بينها وبين المخرج، تفكر في المسافة بين مكان القصف والمدرسة، وتقارن وقت نزول الصاروخ بوقت خروج الأبناء من المدرسة أو البيت.

أن تكوني أماً يعني أن تشاهدي قلبك أمامك يتحرك ويتقافز يمنة ويسرة، فتهوي أركانك مع كل هاوية للأقدام الصغيرة بين السرير وبحر الوسائد الراقد تحته! وينتفض جسدك لكل صوت صارخ، أو سقوط مدوٍّ.. أن تكوني أمًا يعني أن يرتبط بك قلبك المتجول ذاك بسلك كهربائي عالي التردد يصعقك مع كل إشارة خطر. تعلم الأمهات في العالم أن هذا شعور أشبه بالعذاب، لكنه مقارنة بجمال وبراءة ونقاء هؤلاء الصغار، يتبدد، ويتحول إلى عذاب جميل يمكننا التأقلم معه، بل إننا نتألم إذا فقدنا بعضًا منه!

لكن في غزة تتصاعد وتيرة هذا العذاب، وتزداد نبضات ذلك السلك الكهربائي الموصول بالقلب -في ظل انقطاع الكهرباء- لأن غزة بقعة تتجاوز مخاوف الأمهات فيها تقافُز أبنائهن على السرير بكثير؛ فإذا كان القلب الثابت في مكانه مشدودًا راسخًا محميًا بأضلاع الصدر ينخلع لحظة سقوط صاروخ، فكيف بالقلب المنتزع الهشّ المتنقل دون درع واقٍ، والموزّع أحيانًا؟!  وفي الوقت الذي تفكر فيه أي مكان الذي استهدف، تفكر هي: أي جزء من قلبها أكثر أهمية، وأغلى قيمة، ووقت الخطر: ما أصعب التخيير!

لحظة القصف، تنسى الأم أن زجاج النوافذ المحطمة المتناثر على الأرض يدمي قدميها، وهي تحمل طفلها منحنية فوقه لتحميه من الغبار. ولحظة القصف تركض كل الأمهات يلملمن قلوبهن المتناثرة ويضممنها إليهن بقوة في محاولة يائسة لإرجاعها إلى الداخل لتكون أكثر أمنًا، لكن هيهات! كل هذا إذا كان القصف قريبًا أو أشدّ قربًا -وكل غزة قريبة- أما ما دار تحت اللهيب، وبين الركام، قصص طيّ النسيان أو الكتمان، لا أظن أحدًا يمكن أن يرويها، مطلقًا! كل عام وأمهات غزة الجبارة بخير، وقلوبهن الجميلة المتناثرة بسلام!