بنفسج

علاء اللقطة: فلسطين سيدة تستنطق ريشتي

الأربعاء 26 مايو

طبيب فلسطيني متخصص في التجميل. وما بين طب التجميل، وفن الرسم الجميل، تشابكت خيوط شخصيته التي تشكلت بينهما. فاشتهر علاء اللقطة كفنان كاريكاتور فلسطيني. كثيرون لا يعرِفون عن دراسته الطب أو كونه جراح تجميل بارع...! على بياض ورقته تتفجر مئات، بل آلاف الهموم الوطنية بخطوط ترسمها ريشته، مبدعًا رسومات تختصر أهم القضايا الفلسطينية والعربية الشائكة، ولا يكاد يغفو عن واحدة منها ساخرًا من مؤامرات الاحتلال، أو مُعبرًا عن مآسي فلسطين الحبيبة، متوضئًا بعدالة قضيته وماضيًا في الصلاة بفنّه لأجل حريتها.

في هذه السطور تحاورت مراسلة "بنفسج" مع الطبيب الفلسطيني علاء اللقطة، لتنقل لكم في بضعة حروف لمحات من حياة طفل الروضة الذي كانت تُعلّق رسوماته على جدران فصله، وأخته "سعاد" في طفولته الأولى، وزوجه هبة رفيقة العمر والظَّل، وعن فلسطين والمرأة الحاضرة في جُل يوميات حياته، عائليًا وفنيًا وروحيًا، فلنسكب لكم من إبداعه النُذر اليسير.

| أبو الجوابات

علاء اللقطة، طبيب فلسطيني متخصص في التجميل. وما بين طب التجميل، وفن الرسم الجميل، تشابكت خيوط شخصيته التي تشكلت بينهما. فاشتهر علاء اللقطة كفنان كاريكاتور فلسطيني.
 
اهتم بمواهبه الفنية وشق طريقه نحو الطب بعد حصوله على معدل 87% في الثانوية العامة، فيما يُعتبر معدلًا عاليًا، إذ ناله خلال فترة الثمانينيات والانتفاضة الأولى، وهذه المشكلات السياسية التي أدلت بدلوها على الحياة التعليمية في القطاع آنذاك.
 
ومنذ أن خطت قدميه أولى الخطوات للعلم كانت بداياته مع الرسم والخط العربي، حيث برزت لديه هذه الموهبة منذ نعومة أظافره، فيما لم يزل يذكر جيدًا كيف كانت معلمته في روضة الأطفال تُزين جدار الفصل برسوماته البدائية البسيطة، ثم تدرجت موهبته وكبرت معه خلال سنوات الدراسة.

في تعريفه عن نفسه يقول: "ولدت في مخيم الشاطئ، لعائلة علم ومعرفة، وكان ترتيبي بينهم العاشر؛ الأمر الذي ساعد في نضوجي بشكل إيجابي منذ السنوات الأولى. أخبروني بأنني كنت أكبُر سِنّي إدراكًا وذكاءً، وكنت أتسم بخفة الدم وسرعة البديهة، كما كانوا يطلقون عليّ لقب "أبو الجوابات" منذ صغري، وكان جوابي جاهزا لكل حدث على طرف لساني".

ومنذ أن خطت قدميه أولى الخطوات للعلم كانت بداياته مع الرسم والخط العربي، حيث برزت لديه هذه الموهبة منذ نعومة أظافره، فيما لم يزل يذكر جيدًا كيف كانت معلمته في روضة الأطفال تُزين جدار الفصل برسوماته البدائية البسيطة، ثم تدرجت موهبته وكبرت معه خلال سنوات الدراسة. يقول: "كان خطي ملفتًا للنظر، وكان الأساتذة يستشهدون بدفاتري أمام زملائي، وبعضهم يكلفني بكتابة الدرس بخطي على السبورة، وإعداد لوحات الحائط المدرسية، وغيرها من الفعاليات التي تتطلب مهارة في الرسم والخط".

اللقطة2.jpg

وتميز ضيفنا بالمرتبة الأولى على الفصل أو المدرسة معظم سنوات دراسته، فيما كان متعدد المواهب ما بين الرسم والخط، وشارك في أكثر من مسابقة بين مدارس القطاع مُمثِلاً عن مدرسته بالخط، ودائمًا ما عاد حاصدًا أغلبها، بجانب ذلك فقد كان رياضيًا ضمن فريق المدرسة الرياضي لكرة القدم، ولم يفلت الشِعر من فكاكه أيضًا، فكان يحب حفظه وإلقاءه كثيرًا، وتميز بحب الخطابة منذ سن مبكرة، فكثيرًا ما كان يُسمع صوته في فقرات الإلقاء الصباحية في المدرسة.

| الطب خيار المتفوقين

اللقطة5.jpg

لم يؤثر نبوغ علاء في العديد من المجالات خلال سنوات دراسته على تبني رغبة في الانفراد بواحدة منها دونًا عن الأخرى، فقد اهتم بمواهبه الفنية وشق طريقه نحو الطب بعد حصوله على معدل 87% في الثانوية العامة، فيما يُعتبر معدلًا عاليًا، إذ ناله خلال فترة الثمانينيات والانتفاضة الأولى، وهذه المشكلات السياسية التي أدلت بدلوها على الحياة التعليمية في القطاع آنذاك.

يقول اللقطة: "كان معدلي عاليًا، فالدراسة كانت وفق المنهج المصري وقتها، وكنا نمر بمرحلة صعبة من انتفاضة الحجارة الأولى، حيث تم إغلاق مدرستنا شهرين متتاليين، عدا عن أيام الإضرابات المتكررة والإغلاقات، وفرض حظر التجوال على مخيمنا لأسابيع متتالية".

علاء اللقطة 2.jpg

هذا المعدل الذي فتح الطريق أمامه لدراسة الطب في رومانيا، يتابع: "اخترت الطب، فهو خيار المتفوقين في ذلك الوقت، وأمنية كل أهل لولدهم أن يكلل نجاحه بهذه الكلية المرموقة، وقد كان حافزًا أن سبقني لدراسة الطب أخي الأكبر؛ مما مهد الطريق أمامي لخوض المضمار".

غادر علاء ابن الثمانية عشر عامًا قطاع غزة للدراسة في أوروبا، لكن الأمر لم يكن هينًا، فالغربة كانت غربة وطن ولغة ودين، ناهيك عن المسؤولية الكبرى على عاتقه من تولي شؤون حياته الشخصية المنزلية والدراسية التي تتطلب تركيز عال وذاكرة قوية، يقول: "لكن هذه التجربة على صعوبتها صقلت شخصيتي وصنعت مني رجلًا يتحمل المسؤولية، وتكللت بالنجاح، ونيل معدل 90% مما أهلني لاستكمال دراستي العليا في اختصاص جراحة التجميل".

| الزفاف في بوخارست

اللقطة.jpg
هديته لزوجته في ذكرى ميلادها

فيمن من النساء تأثرت؟ دون تفكير أجابنا حاضر الجواب: "بجانب والدتي -رحمها الله- أنا مدين لأختي الكبرى "سعاد" التي تولت تربيتي منذ ولادتي حتى تزوجت وأنا ابن ست سنوات، تخفيفًا منها عن حِمل الوالدة، وحبها للأطفال، ولما أودع الله فيها من الحنان الفياض وطيبة القلب والصبر الجميل، وأذكر أن زواجها ومغادرتها بيت العائلة أصابني بألم لا زلت أذكره حتى الآن".

أما عن قصة زواجه برفيقته هبة رزق، فقد كان لها حكاية يرويها: "زوجتي فلسطينية الجنسية من مواليد غزة، ومن عائلة عرفت بالعراقة والأصل الطيب، تزوجتها وهي طالبة في كلية إدارة الأعمال بالجامعة الإسلامية، ومن الطريف أننا ثلاث إخوة متزوجون من ثلاث أخوات، وأنا وزوجتي الأصغر من بينهم، ولا زلت أمازحها حتى اليوم أن زواجي بها على غرار "تزوج اثنتان تحصل على الثالثة مجاناً"، فكان جوابها الدائم أنها هي من أخذتني مجانًا مع هذا العرض الموفق".

اللقطة7.jpg

وقد كانا تقابلا في مدينة الشارقة بالإمارات في بيت أخيه وأختها، يتابع: "تعرفنا، وتمت الخطبة، وعشنا معهم في نفس البيت ثلاثة أشهر ريثما استخرجت هبة أوراق إقامتها في رومانيا، ثم سافرنا سويًا، وكان في استقبالنا هناك أخي الأكبر وأختها الكبرى، حيث بدأنا ترتيب حفل الزفاف الذي أقيم في بوخارست العاصمة وحضره المئات من أبناء الجالية العربية، وبعدها سافرت معها إلى مدينتي ومقر إقامتنا حيث تقع على البحر الأسود".

وضيفنا علاء اللقطة أب لثلاثة من البنات المتفوقات المبدعات الراقيات، يصفهن قائلًا: "سارة ابنتي البكر، وهي الأشبه لأبيها سمتًا وتحصيلًا علميًا تليها ماريا ابنة أمها كما نسميها، معروفة بخفة الدم وصفاء القلب، أخذت مني موهبة الرسم والصغرى زينة مزيج جميل من الجميع، تعرف برقتها وهدوئها وحساسيتها وحبها للأطفال، إذ تساعد أمها في رعاية أخويها الصغيرين".

اللقطة1.jpg

وفي تربية الإناث، يقول اللقطة أنهم زينة الحياة الدنيا، وهُن الجمال والبهاء، والحنية والعطاء، وعليهن يثني بقوله: "مطيعات منذ ولادتهن، وبارات بوالديهم، ولم نبخل عليهن بوقت أو جهد من أجل إنباتهن نباتًا حسنًا، وهن الإنجاز الحقيقي في حياتي، وعلاقتي بهن قريبة جدًا حدّ الصداقة، الكبرى تميل للطب والثانية للفنون الجميلة والثالثة لم تحسم أمرها، وأتمنى أن أراهن أميز مني طبًا وفنًا، ويعوضن ما فاتني من نقص أو عجز، بل يقدمن ما لم أستطع الوصول إليه".

| الكاريكاتور وعصارة الفكر والعقل

علاء اللقطة.jpg
كاركتير علاء اللقطة

وللتأصيل، فإن أول رسم كاريكاتوري نشر للفنان علاء اللقطة كان عام 1991 في الصفحة الأولى من صحيفة صوت الحق والحرية الصادرة في أم الفحم، فيما كان لا يتجاوز الـ 19 عامًا وقتها، يقول: "الكاريكاتور فن يحتاج لفكرة ونضوج، وليس رسمًا فحسب، جربت قبله معظم أنواع الرسم بما في ذلك الألوان الزيتية ورسم البورتريه، لكنني استقريت عليه، فهو يجمع ما بين عصارة الفكر والعقل، وما بين حرفية ومهارة اليد، ولأنه الفن الذي أستطيع من خلاله خدمة وطني وقضيتي الفلسطينية، والتعريف بها، والدفاع عنها".

يردف: "بعد رسمتي في صحيفة صوت الحق والحرية، انقطعت عن الكاريكاتير فترة دراسة الطب وعدت له في مرحلة انفتاح الفضاء الالكتروني من خلال شبكة الانترنت، لأبدأ مرحلة الاحتراف والعمل اليومي في صحيفة المدينة السعودية سنة 2004، وكان ذلك بالتزامن مع دراستي للاختصاص في جراحة التجميل؛ لأعيل نفسي بنفسي وأخفف العبء عن أهلي بعد ما تكبدوه طوال سنوات الطب الطويلة".

اللقطة4.jpg

خلال مسيرته الفنية الوطنية احتفت العديد من الجهات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية برسوماته وأعماله، ونال جوائز وتكريمات كثيرة، وهي أوسع من حصرها في أسطر، لكن الأبرز منها كان فوزه بالمركز الثاني بجائزة الكاريكاتير العربي التي شارك بها 110 رسام كاريكاتور محترف بـ 511 لوحة، وكانت منافسة كبيرة بين رواد هذا الفن على مستوى الوطن العربي.

| سيدتي فلسطين

كاركتير 1.jpg
كاركتير علاء اللقطة

ما مدى تأثير المرأة في حياة الدكتور علاء اللقطة؟ "كان ولا يزال وسيبقى تأثيرًا عميقا ممتدًا، فأنا مدين للمرأة منذ ولادتي بدءًا من جدتي "فضة" -رحمها الله- ثم "أمي" رحمها الله، وأخواتي الكريمات العفيفات المتعلمات المرابطات اللواتي زرعن في بذرة النجاح منذ طفولتي وعززن في نفسي حُب الوطن".

يردف: "ثم كللت بزوجتي بنت الأصول الفلسطينية المعطاءة، التي يسّرت لي كل سبل النجاح وأجواء الإبداع، وهي مستشاري في كل أعمالي الفنية لما تملكه من فطنة وذوق رفيع، وليس آخرًا بناتي، عمري الممتد، ونجاحي المنتظر". وعن حضور المرأة في أعماله الفنية نستشهد بلوحاته وبكلمات قالها الشاعر محمود درويش يومًا: "عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ".

اللقطة 6.jpg

وكذلك هي المرأة لم تغب يومًا عن ريشة الفنان الفلسطيني علاء اللقطة، يقول: "إنني أرمز للوطن والأرض بالمرأة دليل على العطاء والتضحية والرعاية واحتضان الأبناء، متخطيًا بذلك حدود المناسبات الرمزية التي أراها لا تُوفي المرأة حقها، فدائما أرسمها في مواطن العزة والشموخ والنصر، وأضفي على ملامها علامات الإباء والإرادة والصمود.