ما بين (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود)، وبين (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب)، تتدحرج، وتختلف الرؤى، حول إدارة المال وادخاره بين الأفراد والأسر؛ إذ تلعب أسرنا وتنشئتنا دورًا هامًا في تشكيل رؤيتنا حول المال، وفهم ضرورة ادخاره، وكيفية صرفه، وتضع الأطر التي تستحق أن يُصرف بها ولأجلها المال. كما تبلور أسرنا كيفية فهم الإدارة المالية في نفوسنا منذ سنوات الطفولة المبكرة عبر تأثير القدوة التي تلعب دورًا بارزًا في تمرير القيم المختلفة لنا بشكل تلقائي.
فقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج، أن عادات المال لدى الأطفال تتشكل في الوقت الذي يبلغون فيه من العمر 7 سنوات. حيث يرى الأطفال، دون أن يكون لهم دور فاعل، كل حديث يدور حول المال في المنزل، بما فيها تلك الأحاديث الجانبية حول الادخار، واقتطاع أجزاء من الدخل، وهذا يجعلهم يتبنون رؤية مستمدة من أهلهم حول اتخاذ القرارات المالية مستقبلًا.
| الإدارة المالية
إذن، علينا أن نمرر مفهوم الإدارة المالية والوعي المالي للأطفال منذ الصغر حتى ننشئهم بطريقة واعية ومسؤولية، ونجنبهم الكثير من الاخفاقات المالية والاجتماعية عند الكبر، علينا أن نفتح نوافذ عقولهم نحو الرؤية الصحيحة حول المال، وطرق ادخاره، واقتطاع جزء منه، بطريقة عملية، وبالتدرج، فالتدريب العملي هو الطريق حددي معهم أهداف مالية، الأسلم لتذويت المفاهيم.
وهنا، سأعرض مجموعة مختارة من الطرق العملية التي يمكن أن نذوت من خلالها مفهوم الإدارة المالية للأطفال: أ- أعطهم مصروفًا ثابتًا؛ ويفضل أن يكون مبلغاً بسيطًا يمكنهم من شراء بعض الحلويات البسيطة؛ هذا يعلمهم الاكتفاء بدخل ثابت، وعليه أن لا يكون مرتفعًا وباهظًا.
| علميهم الفرق بين الأساسيات والكماليات: فالتفرقة مهمة وتجعل الطفل قادرًا على اتخاذ القرارات الصحيحة تبعًا للأولويات، فمثلًا أصحب الطفل معي إلى المتجر وأطلعه على المبلغ الذي معي، والذي يجب أن اتقيد به ونشتري كل حاجيات البيت من الطعام الأساسي، وأخبره أن المال لا يكفي لشراء الحلويات مثلًا وهي غير هامة، فنؤجل شراءها لوقت لاحق.
| حددي أهدافًا كبيرة: أي أهداف شخصية تحتاج منهم الادخار، كشراء الدراجة الهوائية، أو جهاز لوحي معين؛ قومي بتعليمهم كيفية اقتطاع جزء بسيط من المال وادخاره لتحقيق الهدف الكبير وخصوصًا في مواسم الأعياد، أو عندما يحصلون على مكافأة مالية، أو من الهدايا المالية التي يحصلون عليها من الأقارب.
| علميهم أهمية المال: وأشركيهم في الطرق التي تحصل من خلالها على المال حتى يستشعروا مدى صعوبة تحصيله، وأطلعيهم على الفقراء وأحوالهم، وعلميهم أن للمال زكاة وصدقة، وهو أمر هام جدًا يعود الطفل العطف على الفقراء، وتقدير النعم التي يتنعم بها هو وعائلته.
| حددي أهدافًا أسرية كبيرة: تكون مختلفة عن الأهداف الفردية؛ كالخروج في سفر جماعي أو الذهاب في رحلة مكلفة، واجعلي العائلة كلها تشترك في الادخار، وأفضل الطرق المعتمدة والأكثر شيوعًا في اقتطاع جزء من المال وتوفيره لتحقيق هدف معين هي الحصالة المنزلية.
| الحصالة المنزلية
الحصالة، أو ما يُعرف بمخزن النقود، أو صندوق النقود تختلف مسمياتها بين القرى والمدن وبين البلاد المختلفة هي عبارة عن وعاء له فتحة بسيطة يمكن من خلالها إدخال المال بسهولة إلى داخل الوعاء بهدف ادخاره لوقت الحاجة، ويمكن أن تُكسر، أو أن تُشق، أو أن تُفتح لاستخراج المال منها.
تختلف تسميتها بين الأرياف والمدن والبلاد المختلفة؛ فتُسمى باللهجة السورية المكمورة أو المطمورة، وتُسمى عند أهل شمال فلسطين قجة، وفي القرى تحويشة، ويطلق عليها البعض أُجة أو حتى حصالة، وتُسمى باللهجة الجزائرية شُحيحة، أما أهل المغرب فيسمونها صندوقة، ويطلق عليها أهل تونس شقاقة.
سأعرفكم على الحصالة المنزلية، وما الفرق بينها وبين الجمعيات، وكيف يمكن لها أن تجمع العائلة لتحقيق هدف مالي معين. الحصالة، أو ما يُعرف بمخزن النقود، أو صندوق النقود تختلف مسمياتها بين القرى والمدن وبين البلاد المختلفة هي عبارة عن وعاء له فتحة بسيطة يمكن من خلالها إدخال المال بسهولة إلى داخل الوعاء بهدف ادخاره لوقت الحاجة، ويمكن أن تُكسر، أو أن تُشق، أو أن تُفتح لاستخراج المال منها.
كما تعد الوسيلة الأبسط والأكثر تداولاً بين الناس، والأكثر شيوعًا في الثقافات المختلفة، وخصوصًا في صفوف الأطفال والمراهقين. تختلف تسميتها بين الأرياف والمدن والبلاد المختلفة؛ فتُسمى باللهجة السورية المكمورة أو المطمورة، وتُسمى عند أهل شمال فلسطين قجة، وفي القرى تحويشة، ويطلق عليها البعض أُجة أو حتى حصالة، وتُسمى باللهجة الجزائرية شُحيحة، أما أهل المغرب فيسمونها صندوقة، ويطلق عليها أهل تونس شقاقة.
أعرف العديد من النساء اللواتي مررن القيم المالية لعوائلهن، عن قصد وعن غير قصد، بطريقة الحصالة المنزلية، وحققن أهدافهن المالية قريبة الأمد وبعيدة الأمد؛ فأمي مثلاً -امرأة عاملة - وأم لستة أبناء، كان لي اثنين من الأخوة المقبلين على الزواج، وكانوا بحاجة لشراء بيت، فاقترحت أمي فكرة رائعة؛ أن يقتطع كل فرد من أفراد الاسرة العاملين مبلغًا ثابتًا، وهو ألف شيكل شهريًا، يضعه في الحصالة التي تحتفظ بها في غرفتها. تم ادخار المبلغ المطلوب لإكمال المستحقات المالية للبيت بسرعة، ومن ثم قاموا بشرائه بسهولة.
بينما اعتمدت أخريات على ما يُعرف باسم "الجمعيات" التي تقوم في أساسها على أن تضع كل صديقة أو قريبة جزءًا من المال، وفي كل شهر تحصل إحداهن على المبلغ النهائي، وهكذا حتى تحصل كل مشتركة في الجمعية على مجموع ما تم تحصيله من كل المشتركات. اعتمد البعض على هذه الطريقة، ووجدت أخريات هذه الطريقة غير ناجعة، لأنها تجمع عددًا من الأصدقاء، والمعارف قد يتأخر معظمهم بالسداد، وقد يصعب الاجتماع والالتقاء، وقد يحدث العديد من المنغصات، لذلك، اعتمدت أخريات على طريقة الحصالة المنزلية التي يشترك بها أفراد الأسرة نفسها، وعبر الاكتفاء الذاتي يتم تحصيل ذات الهدف، ولكن بطريقة أسرية بحتة دون الحاجة للجوء للمعارف والأصدقاء.
لكن، بعد البحث، وسماع العديد من التجارب الناجحة حول الحصالة المنزلية، اقتنعت بأنها من أنجع الطرق في التوفير والادخار، على مستوى الفرد نفسه، وعلى مستوى العائلات كذلك، ولفتني أن نساء ليس لديهن دخل ثابت وأخريات لا يعملن أصلًا، تمكن من تجربة هذه التجربة الفريدة وحققن إنجازاتهن المالية عبرها من مصروفهن الذي يأخذنه من أزواجهن، أو من خلال اقتطاع جزء من العيديات التي يحصلن عليها في الأعداد، أو التغاضي عن شراء بعض الكماليات وتوفير تلك النقود؛ فبطرق عديدة يمكن للمرأة العاملة وغير العاملة تحقيق أهدافها المالية عبر هذه الوسيلة.
