بنفسج

متى وكيف ولماذا: مخزون تربوي وراء "لا" لأطفالنا

الأربعاء 11 اغسطس

بعض الآباء يعتقدون أن موافقتهم على طلبات أطفالهم هو ما يحدد كونهم جيدين، أو ربما يعوضون بعض ما حُرموا منه في طفولتهم بالإغداق على الأبناء بشكل مبالغ فيه. يكون سلوك الآباء في تلك الحالة هو سلوك تعويضي عما أصابهم في طفولتهم، وقد لا يكون متناسبًا مع احتياج أطفالهم الذي قد يختلف عنهم. ما هي أهمية قول لا للأطفال وعدم الإستجابة لكل ما يطلبون؟

| أهمية قول "لا" لطفلك

لا 1.png
كوني صارمة لأن هذا يرسي قيمة جدية القانون واتركي للطفل مساحة للتعبير

| وجوب الصرامة مع الطفل: عندما يطلبون أمورًا قد سبق الاتفاق على أنها خاطئة أو مرفوضة؛ فهم في الحقيقة يختبرون جدية القوانين التي سبق أن وضعها الآباء، وهذا يُرسي في أنفسهم قيمة جدية القانون واحترامه عندما يكبرون، كما أنه يحدد مدى جدية الآباء لدى أبنائهم، فعندما ترفض الأم/ الأب مطالب سبق الاتفاق عليها، يرسل هذا رسالة للأبناء: عندما تقول أمي لا على شيء، فهي تعنيها فعلًا ولن تغير رأيها مستقبلًا تحت ضغط مني. لا بد أن نكون واضحين و صارمين في تمسكنا، بلا مع مراعاة، أن نترك للطفل مساحة للتعبير عن نفسه خاصة في الأمور التي لا ضرر منها.

قول لا1.jpg
بعض الأمهات يصعب عليهن قول لا لطلب طفلهن ولكن يجب أن يقلن لا لأن إتاحة الأشياء دائمًا تفقدها قيمتها

| صعوبة قول "لا": بعض الآباء يكون من الصعب عليهم قول "لا" لأطفالهم على أي شيء يريدونه؛ خاصة إذا كانوا مقتدرين ماديًا، ظنًا منهم أن قول "لا" يعني تعاستهم، ولكن ما يحدث هو العكس، الأشياء المادية سعادتها عابرة، وتجعل الطفل دائمًا ما يبحث عن شيء "جديد" لتعطيه تلك السعادة العابرة. إتاحة "الأشياء" دائمًا يجعلها تفقد قيمتها ومعناها.

| "لا" تعلم الطفل الصبر: رفض أو تأجيل رغبات الطفل يجعله يتعلم كيف يصبر، والصبر من الفضائل المفتقدة في مجتمعنا الحالي رغم أنها من المكونات الأساسية لأي نجاح. الحياة بطبعها لا تعطي كل شيء في الوقت الذي نريد تعويد الطفل على الانتظار والصبر، تُكسبه مهارة مهمة مستقبلًا. إعطاء الطفل كل ما يريد وقتما يريد، قد يساهم في أن يتمحور حول ذاته ويكون أنانيًا ولا يرى سوى رغباته وتحقيقها فقط، أحسب أن جميعًا قد رأينا نموذج الآباء الذين يشكون من جحود أبنائهم في كبرهم. ويذكرون بحسرة شديدة (إنني لم أقصّر في تلبية أي رغبة من رغباته أبدًا، ولم أرفض له طلب قط. لماذا لا يرد لي الجميل الآن، أو لماذا لا يقدّر الظروف المادية غير المناسبة التي نمر بها؟)، وهذه نتيجة طبيعية لمن تعود على الأخذ فقط ووصله أن هذا هو أسلوب إثبات الحب الوحيد.

دع طفلك1.jpg
لا بد أن تساعديه على مواجهة مشاكله حتى يتعلم مواجهتها مستقبلًا ولكن لا تبتعدي كثيرًا

| دع طفل يواجه مشاعره السلبية: عندما رفض الآباء بعض أمور أبناءهم، قد يصاب الابن بالإحباط مؤقتًا، ولكنه إعداد مهم له عندما يحتك بالحياة "القاسية" نسبيًا، فلن يجد كل رغباته متاحة في الحياة، وقد يُصاب بالإحباط إن لم يوفق في مطلبه، ولكنه لن يبالغ في رد الفعل تجاه ما لم يحصل عليه، فلقد أعطاه أهله مناعة نسبيًا بعدم تلبية جميع رغباته سابقًا، فالعالم لم يخلق لتلبية رغباته فقط. لا بد أن ندع الطفل يواجه أحاسيسه السلبية، ولا نحاول منع مسبباتها وتجنيبه إياها دائمًا كما يفعل بعض الآباء؛ حتى يتعلم كيف يتعامل معها بأقل قدر من الخسائر مستقبلًا.

| يقيه من القلق: قول "لا" بصرامة وجدّية للطفل، يقيه من القلق الناتج عن تعدد اختيارات لا حصر لها. نعم، الاختيارات إن زادت عن حد معين أصابت المرء معها بحيرة شديدة، ماذا لو كان الاختيار الآخر هو الصواب؟ هذا يسبب قلقًا للكبار في عصرنا الحالي، فما بالك بالصغار الذين لم يُكَوِنوا قاعدة ثابته لما حولهم بعد ليقيسوا عليه صواب أو خطأ ما يريدون؟ رفض كثير من الأمور وكثير مما يطلب، وعدم التراجع يعطي نوع من الإحساس بالأمان.

تعويد الطفل.jpg
عودي طفلك أن يعود لك في قراراته خاصة في السن الصغير ولكن احذري من التحكم البغيض فيه

| تعويد الطفل على العودة للوالدين في قراراته: لا بدّ أن يشعر الأطفال أن آباءهم هم القادة وهم المسؤولون عنهم. هناك من يعودون له دائمًا - طبعًا إلى سنّ معين، ليس طوال الوقت وليس في كل الأعمار السنّية، بل هناك فترة لا بد من تعويده على المفاضلة بين الأمور والاختيار، ولكن تلك مرحلة لاحقة تتكون بعدما يتعلم في التحكم فيما يرغب - وهذا أيضًا مهم لسلامهم الداخلي. وليس مقصود بالقيادة هذا التحكم البغيض الذي قد يمارسه البعض، ولكن الطفل يعلم أنه ضعيف خاصة في سني عمره الأولى، ويحتاج ليشعر بأن آباءه أقوياء، ويمكنه الاعتماد عليهم ورعايته، بالتدريج، يعطي الآباء فرصة للأبناء للاختيار، في حدود، ولكن القرارات الكبيرة والمصيرية لا بد أن تكون بيد الأبوين خاصة في السن الصغير.

| يحتاج الأبناء للأبوة من آبائهم، وليس الصداقة:  كثير من الآباء الآن، ربما بدافع تعويض لتشويه قد مروا به في طفولتهم، يتحملون قلة احترام أبنائهم منذ سن صغيرة جدًا خشية أن يفقدوا "صداقتهم وحبهم"، ولذا لا يقولون "لا" لأبنائهم أبدًا.
لا يوجد أي دليل أن الآباء ذوي حدود واضحة مع أبنائهم مكروهين، غالبًا العكس هو الصحيح، خاصة عندما يكبر الابن ويحتاج لوجود " كبير" في حياته، يجله ويساعده، ولا يجده في آبائه الذين تخلوا عن الحدود معه منذ البداية، هذا احتياج فطري لدي الأطفال.

| ملحوظات عند قول "لا"

ملحوظات لا.jpg
كن صارمًا مع طفلك حين تقول له "لا" ولكن وازن واشرح السبب أي أن تكون الصرامة بلا غل

| الاهتمام هو الأهم: الأمور التي يجب أن تُرشد هي "الأشياء المادية" التي تشترى بالمال، ولكن المشاعر والاهتمام لا بد من جعلها غير مشروطة، بل وينبغي التركيز على أنها الأهم وصدقها هي ما يجعلنا سعداء حقًا.

| الصرامة بلا غل: عندما نقول "لا"، ينبغي أن نكون صارمين ولا بأس من أن نشرح السبب مع تلك الصرامة، ومهم أن تكون الصرامة بلا غِلّ كما يفعل بعض الآباء، فقول "لا" ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتدريب النفس.

| شرح سبب قول "لا": شرح الأسباب من الأمور المهمة حتى وإن صاحبها الصرامة، لأن الإنسان عمومًا ينفر من الوصاية. ولكن شرح سبب الرفض للطفل قد يجعله أقل مقاومة وأكثر وعيًا بـ لماذا لا يجب أن نفعل بعض الأشياء، لأنها في مصلحتنا (مثلًا أن نقول له لا بد من ارتداء سترة النجاة عند السباحة في البحر المفتوح، فحتى وإن كنت تجيد السباحة، فالأمواج اليوم عالية، وقد لا تستطيع السباحة معها).

| الموزانة حين قول "لا": لا يجب أن يكون قول "لا" هو الأساس عند الآباء على كل شيء، وأن كان ما يريده الطفل هو أشياء مادية فقط، نحاول أن نبعدهم من الأصل عن تلك المؤثرات المادية (إعلانات الاطفال التي لا تنتهي، الوجود في محلات حلوى مبهرة)، ولنجعلهم في مكان فيه أطفال وألعاب حركية، فهذا الرفض لكل شيء حتى وإن كان يضيف لمهاراته، يجعل بعض الأطفال محبطين، وقد يقتل فيهم الفضول المحمود في الأطفال اللازم للتعلم، ولكن ليمارس هذا الحق بوعي وفهم أي شيء إن زاد عن الحاجة أتى بنتائج عكسية.

| ماذا نرفض؟

لا5.png
عليك مشاركة طفلك في اهتماماته وعدم تركه يتخبط بعد قولك له "لا" اشرح له برفق فهذا يكسبه ثقة بنفسه

ولكن، ما هي الأمور التي قد نرفضها إن طلبها الطفل؟ هذا لكي لا نكون أباء يحترفون الرفض للرفض فقط. إن كان هذا الشيء يؤذي الآخرين أو يجرحهم، أو يكسر أشياء حولنا، وقد نعرض بديل مع الرفض لنعلمه بهدوء أن المرء لا يحب أن يزعجه أحدهم مثلًا عندما ينام، وأن يحب لأخيه الإنسان ما يحبه لنفسه. إن البيت مثلًا به أشياء قابلة للكسر، لا بأس إن لعب نهارًا بالخارج كي لا يزعج النائمين. عندما يطلب الطفل شيئًا يستطيع أن يفعله هو بنفسه (طبعًا لا بد من مراعاة المرحلة السنية). رفض الشيء بلطف وتعويده أن يفعل الأشياء بنفسه، تكسبه ثقة بنفسه يحتاجها لصقل شخصيته أثناء نموه.

عندما تكون رغبة وليست حاجة حقيقية، تلك الرغبات غير الأساسية تغذيها الإعلانات الاستهلاكية التي تحاوطنا في كل مكان. قد يكون قول "لا" هو بداية تدريب الأطفال على مواجهة هذا الكم الرهيب من الإغراءات الدعائية والتي لا نحتاج لها حقًا، لا بد أن نسأله لنعلمه كيف يوجه نفسه عند الشراء: هل ما تريده مهم حقًا أم يمكن أن تستغني عنه؟ أو ما سبب رغبتك في اقتناء هذا الأمر؟ هل لأن الجميع يملكونه مثلًا، ولكن أليس الشيء الفلاني الذي تمتلكه بالفعل يؤدي نفس الغرض؟ فضيلة "أو كلما اشتهيت اشتريت" من الفضائل المهمة خاصة في عصرنا الحالي. ولا يجب أن نملّ من تكرار هذه القيمة كثيرًا على مسامع أطفالنا، التربية تأخذ الحياة وتنمو يبطئ نسبي.

قول "لا" عندما يكون الأمر ضد مبادئ الأسرة. كل أسرة لها قيمها التي تريد غرسها في نفوس أطفالها، وهذا يأتي بممارسة الآباء لما يؤمنون به، قد يكون الأمر غير مفهوم، بل ومستهجن أحيانًا للأطفال في البداية، خاصة أن كانت قيم الأسرة ضد السائد حوله. فرفض امتلاك الطفل لهاتف ذكي قد يكون غير شائع في بعض الأوساط.

أحيانًا قد تضطرنا الظروف القهرية لقول "لا"، هنا، يعلم الطفل أن هناك مستجدات تحدث، وهناك ترتيب أولويات. اضطررنا مثلًا لعدم الخروج لمرض أخاه المفاجئ. فنحن أسرة واحدة، ويهمنا أن نكون جميعًا بخير وعندما تتحسن حالته سنخرج جميعًا، ولكنه يحتاج للراحة والرعاية الآن. هذا الموقف سيعلمه أيضًا التعاطف، وأن يتجاوز نفسه ورغباته أن احتاج الآخرون ذلك. الأطفال بالطبيعة أنانيون إلا فيما ندر، فهذا تدريب جيد لهم ليتجاوزوا تلك الأنانية.

قول "لا" عندما يكون الأمر ضد مبادئ الأسرة. كل أسرة لها قيمها التي تريد غرسها في نفوس أطفالها، وهذا يأتي بممارسة الآباء لما يؤمنون به، قد يكون الأمر غير مفهوم، بل ومستهجن أحيانًا للأطفال في البداية، خاصة أن كانت قيم الأسرة ضد السائد حوله. فرفض امتلاك الطفل لهاتف ذكي قد يكون غير شائع في بعض الأوساط، أو رفض بعض الأسر الاحتفال ببعض الأعياد الوافدة على ثقافتها. قد يتحرج بعض الآباء من رفض السائد أو يخافون من أبنائهم، ولكن الرفض، برفق وثبات، يجعل الطفل يفهم أن هناك أولويات لا بد له من ترتيبها.



| المصادر

[1] why parents should feel good about saying no to their kids 

[2] https://www.psychologytoday.com/intl/blog/some-assembly-required/201901/why-sometimes-saying-no-your-kids-is-so-important

[3] https://www.psychologytoday.com/us/blog/growing-friendships/201712/when-and-how-say-no-kids