على مدار أعوام مضت، حملنا، في منصة بنفسج، التي تخص المرأة الفلسطينية، همّ التدوين والتوثيق لروايات تحكي عن هموم الفلسطينيات، وفصولًا من أشكال المعاناة التي تكبدنها.ومنها اعتقال النساء الفلسطينيات يأتي التوثيق هنا لتأريخ حاضر يُحارب بالزيف ويُطمس بهدم كل الأدلة؛ فعقلية الاحتلال تسعى لإبادة كافة أشكال الحياة في فلسطين وهدم معالمها في الماضي والحاضر، وهذا يحتم علينا، باعتبارنا منصة إعلامية، أن نقاوم هذه المساعي بالتدوين والتوثيق والأرشفة، نضع النقاط على حروف الواقع الذي تعيشه المرأة الفلسطينية وبهذا ندحض زيف أكذوبة الإنسانية وحقوق المرأة التي يروج لها الاحتلال وتتبناها المؤسسات الداعمة له.
الأسيرة أماني نصّار (41 عامًا) من مخيم الفوار في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، تعمل معلمة للغة الإنجليزية في مدرسة حمد الله الخطيب في مدينة يطا في الخليل أيضًا، متزوجة ولديها خمسة من الأبناء، أكبرهم في سنته الثانية من الجامعة وأصغرهم في الصف الثاني الابتدائي.
قضت أماني نصار في سجون الاحتلال أكثر من خمسة أشهر بتهمة التحريض، التهمة التي يبرر بها الاحتلال اعتقاله الرجال والنساء، وهي تهمة من قال عن نفسه إنه ينتمي إلى هذه الأرض، أو حتى اكتفى بدعاء لله بأن تحقن الدماء في أراضينا المخضبة التي ما زالت تبتلع الدماء وجوفها يلفظ فراغاته الأخيرة من هول ما ابتلعت.
استدراجٌ للاعتقال بوهم المقابلة السريعة
في يوم الأربعاء الموافق 26 شباط/ فبراير 2025 أثناء تواجد المعلمة أماني نصار في مدرسة حمد الله الخطيب في يطا في الساعات الأولى من دوامها، وكانت الساعة قرابة التاسعة صباحًا، جاءها اتصال من ضابط في جيش الاحتلال لمقابلته في ذات اليوم الساعة الحادية عشرة صباحًا لمدة ساعتين. أخذت أماني الإذن من مديرة المدرسة وعادت إلى بيتها وأخبرت زوجها بالأمر، ومن ثم اتصلت بوالدها وأخبرته أيضًا، ولم يطلعوا أحدًا على الأمر، لأنها كان تظن أنهامقابلة لمدة ساعتين وستعود. توجهت أماني إلى المكان الذي حدده لها جيش الاحتلال برفقة زوجها ووالدها، وبعد ما يقارب الثلاث ساعات اتصلت أماني بزوجها وأخبرته بقرار اعتقالها وبأنها أصبحت معتقلة.
تقول ناريمان نصار شقيقة الأسيرة أماني نصار عن خبرالاعتقال: "كان وقع الخبر كالصاعقة على جميع العائلة والأهل والأحباب والأصحاب والجيران وزميلات العمل، فهو شيء غير متوقع إطلاقًا كما كنا نظن" .
أماني كما يصفها الأهل والأصحاب، لها مكانة خاصة عند كل من يتعامل معها سواء في العائلة أو في بيئة العمل أو حتى المعارف، فهي صاحبة دين وخُلق، وشخصية اجتماعية لبقة في التعامل مع الناس، حكيمة وعقلانية وهادئة، مرنة في التعامل وذات روح طيبة مرحة، وفي نفس الوقت هي القوية التي لا تستسلم، والطموحة التي لا تنضب، يسمونها في العائلة "فاكهة البيت".
اقرأ أيضًا: في مركز التحقيق.. وفصول المسرحية السمجة
ابنتها الكبرى تدرس تخصص أدب إنجليزي فرع فرنسي في السنة الدراسية الثانية من الجامعة، وابنها محمد يدرس تخصص هندسة الديكور في سنته الأولى الجامعة، ابنها محمود في الصف الحادي عشر بالفرع الصناعي، ابنها حمزة في صف الثامن، وأما صغيرتها رهف فهي في الصف الثاني الابتدائي، وتدرس مع والدتها في نفس المدرسة .
زوجها يفتقدها كثيرًا، فهو يخاف ويقلق عليها جدًا، يستحضرها في حديثه دائمًا، ويذكر لها كل خير وعطاء تقدمه لهم، وفي نفس الوقت هو فخور بها ويصفها بالبطلة. لم تكتف أماني بالعطاء ضمن حدود وجدران منزلها، فهي مسؤولة عن والدة زوجها المريضة "شافاها الله" وهي تفتقدها وتسأل عنها دائمًا .
عن غياب الأم والمعيلة
أما والدتها فهي مريضة السرطان، وأماني هي من ترافقها أثناء تواجدها في المستشفى للعلاج، وكانت تزور والدتها بشكل يومي تقريبًا للاطمئنان عليها ومواساتها ودعمها والتخفيف عنها .وفي غياب أماني، ساء حال والدتها وتعبت ودخلت المستشفى أكثر من مرة، وكان ذلك نتيجة خوفها وقلقها على ابنتها أماني، خاصة في الأعياد أو عند وجود مناسبة وتجمع للعائلة.
أماني، كما وصفها أهلها، تعيل أسرتها بشكل كامل بعد الحرب، إذ أن زوجها كان يعمل في الداخل الفلسطيني المحتل، ومنع من العمل بعد السابع من أكتوبر عام 2025، إضافة إلى الأحوال العامة التي يكابدها الشعب الفلسطيني من تدهور في الوضع الاقتصادي.
اقرأ أيضًا: سهام أبو سالم أكبر أسيرة في الدامون بعمر 71 عامًا
بعد اعتقال أماني نصار، كان لغيابها تأثير بالغ على مستوى تحصيل أبنائها وبناتها، أو حتى على ظروفهم الأكاديمية والاجتماعية بشكل سلبي. تقول شقيقتها ناريمان: "اعتقال أماني أثّرعلى الجميع دون استثناء، خاصة أنه جاء قبيل قدوم شهر رمضان المبارك بأيام قليلة، فكان لرمضان هذا العام حضور مختلف مجبول بالحزن والخوف والقلق والتوتر على أماني، وعلى وضعها الصحي، إذأنها تعاني من ارتفاع في ضغط الدم، وضعف في الدم، وتعاني من آلام في الأرجل والعظام بشكل كبير" .
ابنتها الكبرى اضطرت إلى تأجيل فصلها الدراسي في الجامعة حتى تستطيع أن تقوم بمسؤولية البيت وأخوانها ووالدها وجدتها. أما ابنتها الصغرى "رهف" ففي البداية رفضت الذهاب إلى المدرسة بدون والدتها إذ كانت تذهب إلى المدرسة وتعود إلى البيت برفقتها دائمًا، لكن بعد جهد كبير من العائلة وبالتعاون مع مديرة المدرسة وزميلات الأسيرة أماني في المدرسة ومعلمات ابنتها الصغيرة رهف، اقتنعت وعادت إلى المدرسة.
الاعتقال والتهم وظروف الأسر
كما ذكرنا في بداية التقرير، بأن أماني اعتقلت بتهمة التحريض، وقد وصف أهلها التهمة بأنها تهمة من لا تهمة له، تعرضت أماني للتحقيق، وعرضت على عدد من المحاكم ورُفعت ضدها لائحة اتهام بمنشورات تحريضية على منصة فيسبوك، وقد أجلت جميع محاكها وآخرها كانت بتاريخ 11حزيران/ يونيو 2025، إذ أجلت حتى تاريخ 6 آب/ أغسطس 2025.
الأسرى والأسيرات محرومون من زيارة الأهل منذ بداية الحرب، وهذا يسبب الكثير من الأذى والقلق والخوف عليهم، ويوم المحكمة يُسمح لشخص واحد فقط لحضور، إن صدفت محكمته في عوفر وليس محكمة سالم مثلًا، وبرغم ذلك لا يستطيع من يحضر المحكمة مشاهدة الأسير أو حتى الحديث معه إلا من خلال الشاشة أو الهاتف، هو يظهر فقط أمامهم عبر شاشة مقابلة له بصورة ذات جودة سيئة وضوابط كبيرة على الصوت والأحاديث خلال المحكمة.
زار المحامي أماني نصار، ونقل للأهل أوضاع السجن بحسب وصف أماني، فالأوضاع بشكل عام سيئة جدًا من ناحية كميات الأكل ونوعيته، وعدم توافر مياه صالحة للشرب، والحرمان المستمر والمتكرر من الفورة (الاستراحة التي يتخللها الحمام ومدتها منذ بداية الحرب ساعة فقط)، إضافة إلى عدم توافر أدوات النظافة الشخصية، والأهم القمع المستمر الذي تتعرض له الأسيرات في سجن الدامون، وصراخ السجانات والتفتيش المستمر والذي أحيانًا كثيرة يكون تفتيشًا عاريًا، إضافة إلى عدم وجود غيارات كافية فالأسيرة تمتلك لبسة واحدة!
أماني أختنا وروحنا، يا من لك من اسمك نصيب، نعلم أن السجن صعب وأن القيد قاسٍ، ولكننا على يقين بأنك قوية بقوة الله ،كل دعواتنا لك ولجميع الأسرى والأسيرات، الحرية قادمة بإذن الله تعالى .
تقول ناريمان: "مع الظروف القاهرة،أماني ما شاء الله عنها قوية بقوة الله معيته وبفضل دعاء والديها وأحبابها ." وأكملت: "غيابها ترك فراغًا وألمًا كبيرين، لن يملأ الفراغ أحد ولن يداوي الألم سواها، أماني لا تغيب عن بالنا نهائيًا، ذكرها لا يغيب في أي جلسة، نفتقدها كثيرًا، خاصة في المناسبات والأعياد، إذ مر عيدان على غيابها، لكنها لم تغب من دعواتنا ولا من تجمعاتنا ولا من أذهاننا، هي دائما حاضرة في قلوبنا وعيوننا رغم المسافات، وهي متربعة على عرش قلوبنا وحاضرة في كل لحظاتنا ."
رسالة العائلة إلى أماني: أماني أختنا وروحنا، يا من لك من اسمك نصيب، نعلم أن السجن صعب وأن القيد قاسٍ، ولكننا على يقين بأنك قوية بقوة الله ،كل دعواتنا لك ولجميع الأسرى والأسيرات، الحرية قادمة بإذن الله تعالى. نتمنى كأهل أسيرة أن تُعطى قضية الأسرى والأسيرات أهمية أكبر والعمل بكل الطرق على تحريرهن من سجون الظالمين، كل أسيرة أم لديها عائلة مسؤولة عنها وأطفال بحاجة لها .ما يطمئننا "ليس لها من دون الله كاشفة" .