بنفسج

ميساء مقداد: الكفن الذي كان ثوب العيد لأبنائي الأربع

الخميس 04 سبتمبر

أم الشهداء في غزة
أم الشهداء في غزة

يعيش المرء جلّ عمره يخطط لمستقبل أطفاله، يتخيّل ملامحهم في الشباب والشيخوخة، يصفّق لهم عند كل إنجاز مهما كان بسيطًا، ويجول بين المعارف يحكي عن كل واحد منهم ويبتاهى بأجمل الأوصاف. يدفع العمر كله لأجل ضحكة واحدة منهم، ويهدم الدنيا لدمعة عابرة سقطت في لحظة حزن. وفجأة، تُهدم الأحلام بضغطة زر واحدة من جندي إسرائيلي. هذا ما حدث مع ميساء التي قَتَل الجيش الإسرائيلي أطفالها الأربعة دفعة واحدة، فعايشت خروج الروح وهي على قيد الحياة.

هنا نحاور الأم الثكلى ميساء مقداد لتروي لنا عن أطفالها الأربعة: إسلام ويزن وعماد وعبد الرحمن، الذين استشهدوا في يوم عيد الفطر، يوم لم تُصرَف فيه عيدية العيد بعد. كانوا نيامًا ينتظرون ثاني أيام العيد ليغنوا أغنياته، لكن الصباح لم يُشرق، وأظلمت أيام والدتهم التي أضحت تعد الليالي ليلةً بعد ليلةٍ في الغياب.

يوم غادرتني الروح

أم الشهداء في غزة

بعد منتصف الليل، بينما تدور عقارب الساعة ببطء في ليالي الحرب، وقفت ميساء على باب غرفة أطفالها الأربعة، تتأمل وجوههم بينما ارتجف قلبها إثر انفجار عنيف. سمّت بالله، قبّلتهم واحدًا تلو الآخر، وأحكمت الغطاء عليهم، ثم غادرت نحو غرفتها. وقبل أن تدخلها باغتها الصاروخ، لتجد نفسها تحت الأنقاض.

تقول بصوت خفيض: “مكثنا أنا وزوجي تحت الركام فترة طويلة، وبمجرد أن أنقذوني سألت عن أولادي فقالوا بخير، وبعد وقت وجيز أخبروني باستشهاد جدهم، ثم لاحقًا وصلني خبر يزن وعماد وعبد الرحمن، أما إسلام فكان في العناية المركزة، لكنه استشهد في اليوم التالي.”


اقرأ أيضًا: ابتسامة أطفأتها رصاصة: شهادة من غزة


ذاب قلب ميساء يوم الوداع الأخير. كفّنتهم جميعًا وطبعت قبلة النهاية على جبينهم، إلا عماد الذي كان أشلاءً متناثرة. لم يتقبل عقلها فكرة أن الملاك الصغير، الذي سُمّي على اسم جده وصاحب الابتسامة الأجمل على الإطلاق، قد تفتّت جسده.

نجت ميساء وزوجها بعد إصابته، لكنهما حتى اليوم لم يعتادا على فراق الصغار الذين كانوا بهجة البيت وسبب العيش في هذه الحياة المليئة بالمتناقضات. تقول: “لليوم مش مستوعبة إني فارقت الأربعة مرة وحدة، مش عارفة كيف صبرت.”

في سيرة الروح

أم الشهداء في غزة

لم يكن لقب ماما سهلًا بالنسبة لميساء؛ فقد صبرت ثلاث سنوات حتى جاءها طفلها البكر بعملية زراعة أنابيب عام 2011. أقامت الليالي الملاح وسمّته إسلام على اسم عمّته. أما يزن، فكانت ولادته أعجوبة نجت فيها من الموت. عماد سمّته على اسم جدّه والد والده، ليستشهدا معًا. فيما آخر العنقود عبد الرحمن، كان طفل العائلة المدلل.

فعلت ميساء كل شيء من أجلهم؛ حرصت على تعليمهم، وحثّهم على حفظ كتاب الله. تضيف: “إسلام كان يحب الأكل كثيرًا، يساعدني في أعمال البيت، ويلعب الكرة مع أخوته والأصدقاء. يزن كان حنونًا وهادئًا، وعماد حبيب جدّه، أما عبد الرحمن ففاكهة البيت ومدلّله الأصغر.”

هدم الاحتلال أحلام ميساء لأطفالها، وجعلها بلا روح تنتظر يوم اللقاء مجددًا. وما يواسيها في الفراق، زيارتهم لها في المنام وهم يبتسمون، فيطمئن قلبها أنهم في نعيم لا ينضب. تختم حديثها لـ”بنفسج”: “يا الله، شو اشتقت أفتح عيني ألاقيهم قدامي. الموت صعب، لكن بهوّن عليّ إني ودّعتهم.”